الهندسة الوراثية والأخلاق

65

الهندسة الوراثية( بالانكليزي genetic engineering) تجلت بشكلها الأحدث في عام 1996 بصورة Dolly التي كانت آنذاك غلافاً لمجلة Nature اهتمام العالم، فمن هي Dolly؟ وما الذي تميزت به حتى تُخّلد كأحد أبرز مجريات التطوّر الطبيعي؟

النعجة دوللي(الكائن Dolly)

 

الكائن Dolly، أو ما أُطلق عليه لاحقاً بالعربية العنزوف، هي نعجة تم إنتاجها _ أو استنساخها بوصف أدق_ في يوليو عام ١٩٩٦م من خلايا حيوان آخر بالغ، والمقصود بحيوان آخر هنا أن دوللي لم تُولد من أب وأم، بدلاً من ذلك كانت تمتلك ثلاثة أمهات!

عُرف استنساخ دوللي بالاستنساخ الصناعي حيث تمت معالجتها مختبرياً فكانت أول حيوان مستنسخ من الثديات من خلايا جسمية (somatic cells)، كانت الأم الأولى لدوللي هي schottish Black face sheep ومنها أُخذت البويضة غير الملقحة unfertilized egg cell ونُزعت مادتها الوراثية (بعزل النواة) . الأم الثانية كانت Finn-Dorset sheep، أيضاً أُخذ منها one somatic cell ونزع منها المادة الوراثية أو النواة، لكن الفرق بين العزل الأول والثاني، أننا تخلصنا من نواة الخلية الجسمية من الحيوان الأول، واحتفظنا بها من الحيوان الثاني من أجل المادة الوراثية الموجودة فيها، تلا ذلك دمج نواة الخلية الثانية بالخلية الأولى منزوعة النواة، والخلية الناتجة عن الدمج تسمى Hybrid cell.

الهندسة الوراثية
الهندسة الوراثية والاستنساخ

تم تحفيز انقسام الخلية بمحفز كهربائي وبدأ التضاعف والانقسام حتى بدأ تشكل ما يعرف بال Blastocyte، وبذلك نكون قد حصلنا على عدد معين من الخلايا الهجينة.. السؤال الذي يطرح نفسه الآن: كيف ستُولد دوللي من هذه الكتلة من الخلايا (ال Blastocyte)؟

يبدو أن هناك خطوة ناقصة، أو ربما فقدنا شيئاً مهماً في طريقنا إلى هنا؟

 

هناك Another Scottish Blackface كانت الأم الثالثة لدوللي التي لم نتعرف عليها بعد، هي النعجة التي ستحتضن كتلة الخلايا الأخيرة التي حصلنا عليها من هجين خليتين من حيوانين مختلفين ونسميها Surrogate mother، يتم زرع ال Blastocyst فيها فتلد دوللي بعد عدة أشهر. دوللي لم يكن يشبه أمه البديلة، دوللي كان يشبه Finn-Dorset الذي أخذت منه المادة الوراثية بعزل نواته وزرعها. والمقصود بالشبه هنا هو تطابق المعلومات الوراثية للحيوانين، بالإضافة إلى بعض المواصفات الشكلية بالطبع ( phenotype).

عاشت دوللي سبع سنوات، حتى أنها ولدت حملا في سنة ١٩٩٨ ثم تبعته بولادة ثلاثة سنة ١٩٩٩م.

ما الذي أثار اهتمام المجتمعات عامة والأوساط العلمية خاصةً بعد استنساخ دوللي؟

هل من باعث على الخوف في تلك التجربة؟ وما هي تداعياتها؟

ما قام به العلماء مع دوللي هو أحد نتائج تطور تكنولوجيا الهندسة الوراثية التي جاءت كمحصلة طبيعية لثورتين علميتين:

الأولى بدأت باكتشاف أن المادة الوراثية موجودة في الحمض النووي DNA، وتبع ذلك اكتشاف الشفرة الوراثية والتي نعني بها تتابع القواعد النيتروجينية الأربعة التي تختزن المعلومات الوراثية.

أما الثانية فكانت في اكتشاف الإنزيمات القاطعة (Restriction Enzyme) التي تمتلك القدرة على قطع ال DNA في الأماكن المقصودة.

نتيجة للتمكن من قراءة شفرة الجينات والتعرف عليها، لحق ذلك محاولات لإعدادها مختبرياً أو استخلاصها من كائنات حية أخرى لغرض إعادة تشكيلها أو تخليقها بالجراحة الوراثية، وفي بعض الأحيان يكون الغرض هو زرع هذه الجينات في كائنات حية دقيقة لتقوم بترجمتها إلى بروتينات بشرية.

استطاع الإنسان بالهندسة الوراثية برمجة العديد من المخلوقات الدقيقة وأهمها البكتيريا، فجعل منها مصانع بيولوجية تنتج مضادات حيوية وأدوية، ولقاحات وبروتينات وهرمونات وإنزيمات وغيرها الكثير والكثير جداً من المنتجات.

مكنت الهندسة الوراثية الإنسان من التلاعب في المادة الوراثية بما يخدم طموحاته وغاياته، فجراحة الجينات Gene surgery طوع أيديهم، والتي إضافة لما ذكرنا يمكن عن طريقها تغيير بعض الوظائف البيولوجية، وإضافة مواصفات وحذف أخرى من الكائن، على سبيل المثال: يمكن التلاعب بمعدلات الذكاء والنبوغ والنمو، حتى إنتاج ما يعرف ب ال Gigantic man أو الإنسان العملاق!

كما حذر البعض من عواقب وخيمة غير موضوعة في الحسبان كأن تحدث طفرات قاتلة غير قابلة للسيطرة عليها، أو تسرب كائنات دقيقة (ميكروبات أو فيروسات) تعيث فساداً بالكوكب ومن عليه، أو أن تستخدم في الحروب كسلاح حيوي مدمر.

الهندسة الوراثية تثير الإعجاب بقدر ما تثير المخاوف، وتقدم الحلول الخارقة لكثير من المعضلات البشرية لكنها في الوقت ذاته لا تؤتمن عواقبها، حيث يوجد خطورة باستخداماتها وتطبيقاتها ناهيك عن لا أخلاقيات تلك الممارسات وانتهاكاتها الاجتماعية والدينية والأخلاقية، الأمر الذي حدا بالأنظمة التشريعية إلى سن القوانين لتنظيم القيام بتلك الأبحاث وكيفية تطويرها دون تعريض حياة البشرية إلى الخطر.

الهندسة الوراثية
مستقبل الهندسة الوراثية

نهاية، يجب التنويه إلى أنه على كل إنسان واجب كمل له حق المشاركة بأي قرار تابع لأبحاث أو تطبيقات ذات تأثير مباشر على حياته، وليس فقط بالقرارات بل وبوضع المعايير والمحاذير لهذه المجالات العلمية التخصصية بالتكنولوجيا الدقيقة.

يقول الشاعر والأديب روبرت بن وارين: ” إن غاية الإنسان هي المعرفة، لكن يظل هناك شيء واحد لا يستطيع الإنسان أن يحدده، فهو لا يستطيع أن يعرف ما إذا كانت المعرفة ستقتله أم ستنقذه. هو سيقتل، حسن، ولكنه لا يستطيع أن يعرف هل سيقتل بسبب المعرفة التي حصل عليها، أم بسبب المعرفة التي لم يحصل عليها، وما هي المعرفة التي إذا ما امتلكها سوف تنقذه”.

التعليقات مغلقة.