اكتشاف رأس الرجاء الصالح

235

طريق راس الرجاء الصالح

رأس الرجاء الصالح هو عبارة عن جزيرة صغيرة أو تحدُّب صخري في المحيط الأطلسي يقع جنوب غرب دولة جنوب افريقيا حالياً وبالقرب من مدينة كيب تاون، وبالرغم من الاختلاف التاريخي عن أول مُكتشف له، إلا أن غالبية المصادر التاريخية الموثوقة تقول  أن أول من اكتشفه هو الرحالة البرتغالي “بارتولوميو دياز” وذلك في العام 1487م.

طريق رأس الرجاء الصالح

نستطيع القول أن اكتشاف طريق رأس الرجاء الصالح البحري قد أثّر على العالم القديم كله كونه أصبح العصب التجاري الذي يصل العالم القديم كله ببعض، وذلك بطبيعة الحال قبل حفر قناة السويس، فقد ساهم باندثار دول كاملة منها الدولة المملوكية بسبب تحول طرق التجارة من مناطق نفوذها إلى الطريق التجاري الجديد، كما ساهم بتقوية ممالك ودول أخرى، وكان لاكتشافه الأثر الأكبر بقيام صراع نفوذ بين القوى الأوروبية التي كانت صاعدة آنذاك فيما بينها، ومن جهة أخرى بين تلك الدول وممالك ودول الخليج العربي للسيطرة على التجارة وطرقها مع الهند وجنوب شرق آسيا عموما واحتكارها.

من الواجب تسليط الضوء على تلك الحقبة الزمنية الممتدة من نهايات القرن الخامس عشر وصولاً لبدايات القرن التاسع عشر، وهذه الفترة بالذات كانت المرحلة التي بلورت واقع دول الخليج العربي الحالية، فتقريبا وبشكل عام نستطيع القول أن المشيخات والقيادات الموجودة في تلك الحقبة هي ذاتها اليوم الدول التي تشكل دول الخليج العربي، كما إنه يظهر الأطماع القديمة الحديثة لقوى العالم الصاعدة بهذه المنطقة والتي شكّلت وستبقى تشكل صلة الوصل بين الشرق الآسيوي والغرب الأوروبي.

ومن المهم التعرف على الوضع السياسي الذي كان قائماً في الخليج العربي وخريطة النفوذ للقوى الموجودة آنذاك، ومعرفة أوضاع التجارة وطرقها قبيل اكتشاف رأس الرجاء الصالح، والصراعات العسكرية ومعارك النفوذ التي قادتها الدول الأوروبية للسيطرة على الخليج.

التجارة في الخليج العربي إبان اكتشاف رأس الرجاء الصالح

بحكم الموقع الجغرافي المتميز للخليج العربي كان منذ القديم العقدة التجارية الأهم والتي تمرُّ منها البضائع المتوجهة من شرق العالم إلى غربه، وأشهر طريقين تجاريين[1] في حقبة القرون الوسطى والتي كانت تصل شرق العالم بغربه كانا كالتالي:

الطريق الأول

طريق البضائع الواردة من الشرق مروراً بعمان ثم للبحر الأحمر ومنه على السويس ثم تحمل إلى موانئ ليكون بانتظارها التجار القادمين من أوروبا.

طريق رأس الرجاء الصالح

الطريق الثاني

من الشرق ليمر عن طريق الخليج العربي ومنه إلى طرق توصل البضاعة لنهر الفرات ومنها إلى موانئ بلاد الشام.

في كلا الطريقين تعد منطقة الخليج العربي وإماراتها عقدة وصل تجارية هامة ويسيطر العرب عليها حيث لا يمكن الاستغناء عن الرسو في موانئها الشهيرة كمسقط وهرمز وجدّة، وعلاوة على ذلك فقد سيطر العرب على تجارة المحيط الهندي وبرعوا في معرفة الطرق التجارية ومسالك البحر وامتلكوا أساطيل كبيرة تبحر للموانئ الهندية وتجلب بضائعها وأهمها التوابل التي قامت من أجلها حروب سميت باسمها، وحتى وصول البرتغاليين لاحقاً للهند يحسب الفضل فيه للرحالة العربي ” أحمد ابن ماجد”[2]، ولقد كان هذا الطريق  التجاري واحد من  أهم الأسباب التي دعت القوى الأوروبية الطامعة ببضائع الهند لغزو الخليج العربي.

طريق رأس الرجاء الصالح

القوى المسيطرة إبان الغزو الأوروبي بعد اكتشاف رأس الرجاء الصالح

توزعت خارطة النفوذ في الخليج العربي بين عدة قوى محلية (عربية) وبين القوى الإقليمية كالدولة الصفوية الفارسية والدولة العثمانية، وكان من أهم الإمارات العربية الموجودة آنذاك[3] كالتالي:

1_ إمارة الجبور العقيلية:

أسسها زامل بن حسين العقيلي، وامتد حكم هذه الإمارة لمدة قرن من الزمن من عام 1417/1525م، وقد حكمت هذه الإمارة السواحل الممتدة من البحرين إلى عمان، وكذلك سيطرت على إمارة هرمز واتجهت غربا إلى أن سيطرت على نجد، وأصبحت هذه القوة الصاعدة تسيطر على طرق التجارة البحرية إلى أن تم القضاء عليها على يد البرتغاليين.

2_ الإمارة المشعشعية:

أسسها محمد بن فلاح المشعشعي في الحويزة (الأحواز حالياً) واستمرت في الحكم قرابة نصف قرن، حكمت فيها الأحواز وأجزاء كبيرة من العراق وكذلك البحرين، واستمرت هذه الإمارة في الحكم إلى أن تم القضاء عليها من حاكم العراق المدعوم من الدولية العثمانية، ونتيجة هجمات الدولة الصفوية الفارسية.

3_ إمارات عمان:

استولت إمارة هرمز على حكم السواحل في عمان منذ القرن الثاني عشر الميلادي، بينما سيطرت الإمارة النبهانية على حكم مناطق الداخل، لأن الإباضيين كانوا يصارعون النبهانيين على زعامة مناطق الداخل في عمان، وتحققت لهم السيطرة على الحكم عن طريق الإمام عمر بن الخطاب الخروصي، وبقيت حالة من الصراع بين النبهانيين والإباضيين إلى أن جاء الغزو البرتغالي.

الغزو الأوروبي لمنطقة الخليج العربي

لعل اكتشاف رأس الرجاء الصالح كان الخطوة الأولى والتي مهدت لقدوم المستعمر الأوروبي  لمنطقة الخليج العربي، افتتح هذا الغزو بغزو البرتغاليين للمنطقة في بدايات القرن السادس عشر وختمه البريطانيين الذي لم ينتهي نفوذهم في الخليج إلا لوقت متأخر من القرن العشرين، ونستعرض هذه الحملات كالتالي:

 الغزو البرتغالي

بعد ان امتلك البرتغاليين أسطولا بحرياً هائلاً في القرن الخامس عشر، توجهت أنظارهم باتجاه المحيط الهندي للوصول إلى بلد التوابل والبن، والتي كانت تعد من السلع الأساسية باهظة الثمن في أوروبا، كما ان الطريق التجاري الذي يسيطر عليه العرب بأساطيلهم كان مطمعاً لكل عازِ، وبعد اكتشاف رأس الرجاء الصالح بعدة سنوات سيّر البرتغاليون حملة بحرية استكشافية بقيادة “فاسكو دي غاما” وكان مقصدها السواحل الهندية.

وبالفعل وصلت تلك الحملة للهند في عام 1498م، وقد شاهد البرتغاليون لدى وصولهم الطريق التجاري المزدهر والذي يتحكم العرب بضفتيه، وكان ذلك سبباً كافياً لهم ليسيطروا على التجارة ويحرموا العرب من مواردها، وبالفعل بدأ البرتغاليون بقرصنة السفن العربية، لكن ذلك لم يثني العرب عن استكمال تجارتهم، وهنا قرر البرتغاليون غزو إمارات الخليج العربي مدفوعين برغبتهم بالسيطرة على طريق التجارة، ويضاف لذلك أسباب أخرى متعلقة بدوافع دينية(الحملات الصليبية)[4]، وبالفعل توجه البرتغاليون باتجاه سواحل الخليج العربي بقيادة “البو كيرك” واستولوا على مسقط وهرمز وارتكبوا المجازر بحق أهلها، واستكملوا زحفهم إلى موانئ البحر الأحمر وتحالفوا مع ” الشاه الفارسي” لإحكام قبضتهم على المنطقة والتي بقوا فيها حتى عام 1648م، إلى أن توافق مصالح الإنجليز لإخراجهم من المنطقة ليبسطوا نفوذهم عليها، كذلك محاربة “اليعاربة” لهم في عمان وتم طردهم من المنطقة.

الغزو الهولندي:

عندما سيطر البرتغاليون على طريق التجارة مع الهند، قاموا بحرمان الهولنديين من الوصول للسلع القادمة من الهند بسهولة وخصوصاً التوابل، وهو ما جعل الهولنديين يفكرون بالوصول لمياه المحيط الهندي والسيطرة على الطريق التجاري الذي يربط الهند بالخليج العربي، فقاموا بإرسال البعثات التجارية لعدم معرفتهم بطرق الإبحار للمنطقة[5]، وبعد أن استكشفوا الطرق كان أول وصول لهم في العام 1598م. قام الهولنديين بالتحالف مع الشاه الصفوي وأنشؤوا مراكز تجارية لهم في فارس، ثم استغلوا حالة العداء بين البرتغاليين والإنكليز وتحالفوا مع الإنجليز وسيطروا على السفن البرتغالية وعملوا على طردهم. أنشئ الهولنديين شركة ” الهند الشرقية الهولندية” والتي أشرفت على التجارة الهولندية في الهند والخليج العربي وأنشئوا العديد من المراكز التجارية في البحرين وعمان وهرمز، وعملوا على فرض سياسة ” التجارة الإجبارية” معهم، وقاموا باحتكار السلع، وكان التنافس بين الهولنديين والإنكليز سبب من أسباب نشوب الحرب بين

الدولتين عام 1652م، وهذا أدى لانتهاء الشراكة الاستراتيجية بين الدولتين الاستعماريتين، وطغى النفوذ الهولندي على النفوذ الإنجليزي في منطقة الخليج.

مارس الهولنديين العديد من الأساليب التي أثارت نقمة أبناء المنطقة من العرب كاحتكارهم للتجارة وقيامهم بالقرصنة والعمل بمهنة الغوص[6]، وهو السبب المباشر لمهاجمة ” نصر بن سيار” لهم وهو ما اضطرهم للخروج من عمان سنة  وانكفائهم لبعض مراكزهم الباقية والجزر التي يسيطرون عليها.

بدا انفكاك الشراكة بين الهولنديين والإنجليز، أراد الأخيرون طرد الهولنديين من الخليج، وجاءتهم الفرصة المواتية بعد خروج هولندا مهزومة بحربها مع فرنسا مما أدخلهم بحالة ضعف في مستعمراتهم التجارية في الخليج ومراكزهم في الهند الشرقية وفارس، وتحقق ذلك للإنجليز عام 1765م.

الغزو البريطاني للخليج العربي:

يعد الوجود البريطاني في منطقة المحيط الهندي مظهر من مظاهر تسرب الأوربيين إلى المنطقة التجارية الغنية، ومنذ بداية قدومهم للمنطقة لم يكن الإنكليز محتلين على الطريقة الاعتيادية (العسكرية) التي كانت سائدة بذاك الوقت بل خططوا لأن يكون احتلال تجاري، وبدأ هذا الظهور مع نهايات القرن السادس عشر، وقاموا بتأسيس شركة” الهند الشرقية الإنجليزية” وعملوا مراكز تجارية على السواحل الهندية، ومنذ بدايات وجودهم في المنطقة عمل الإنجليز على سياسة ” المهادنة” مع القوى الاستعمارية الأوروبية الموجودة في المنطقة، فقد تحالفوا مع البرتغاليين ثم الهولنديين، وفي بداية تأسيس الشركة تواصل الإنجليز مع الشاه الصفوي وحصلوا منه على امتيازات متعددة[7]، وقاموا بإنشاء ميناء بندر عباس والذي لم يطل مكوثهم فيه بسبب غارات الهولنديين عليهم، وبعد خروج الهولنديين منهزمين في المنطقة لم يبق أمام الإنجليز أي عائق لإحكام قبضتهم على المنطقة.

رويداً رويداً بدأت تتحول شركة الهند الشرقية من شركة مدنية تجارية إلى ما هو أشبه بجيش، حيث بدؤوا يعتمدون على السلاح وأصبح للشركة أسطول عسكري وحصلوا على دعم من ملكة بريطانيا” إليزابيث” للسيطرة على بعض المناطق وأهمها جزيرة “بومباي” الهندية وأسسوا فيها جيش يتبعهم وأسطول تجاري عسكري بنفس الوقت.

كانت أول دخول واضح للإنجليز في الخليج العربي عن طريق العراق، حيث أقاموا في عام 1723م مركز تجاري لهم في ميناء البصرة، سرعان ما تحول إلى أهم مركز تجاري لهم في المنطقة وكان يتبع لمتصرفية “بومباي” بشكل مباشر. ظل الإنجليز يتجهون بأنظارهم صوب عمان للسيطرة على موانئها، ولم يتحقق لهم ذلك فعمان كانت تحكم من “اليعاربة” وكان لهم أسطول بحري قوي وهو ما جعل الإنجليز يرهبون جانبهم ويسعون لعقد اتفاقيات تجارية دون الصدام المباشر معهم.

مع انهاء دولة اليعاربة في عمان، واستلام السلطة من قبل الإمام ” أحمد بن سعيد” عام 1749م سعى الإنجليز للتحالف مع الإمام أحمد لإبعاد خطر الفرنسيين الذين عقدوا اتفاقية تجارية معه، وبالفعل ازدهرت العلاقات بين الإنجليز والإمام أحمد الذي عمل حالة من التوازن ما بين علاقته التجارية مع فرنسا، وبالفعل عقدت شركة الهند الشرقية الإنجليزية اتفاقية للتجارة مع عمان.

لم تغفل بريطانيا عن القوة البحرية المتصاعدة للقواسم “آل القاسمي” حيث كان لهم أسطول ضخم[8] من السفن التجارية والحربية فقد كانوا من المهددين لنفوذهم ولم يرتبطوا معهم بأي اتفاقية، وكانوا يتخذون من ميناء جلفار ” رأس الخيمة” مركزا لهم، وقامت سفن القواسم بالتضييق على سفن شركة الهند الشرقية الانجليزية في البحر وقاموا بتهديد مركزهم في بومباي، وهو ما جعل بريطانيا تسيّر أسطول بحري باتجاههم للقضاء عليهم وتم لهم ذلك في عام 1819.

تنبهت بريطانيا إلى أهمية منطقة الخليج، فصممت معاهدات طويلة الأمد مع مشيخات الخليج وأمرائها وبقيت بالمنطقة ولم تنسحب منها إلا في النصف الثاني من القرن العشرين.

الغزو الفرنسي لمنطقة الخليج:

يمكننا القول أن فرنسا من أقل الدول الاستعمارية التي مكثت في منطقة الخليج العربي، فهي أيضاً أرادت الدخول في منظومة السيطرة على طرق التجارة في المحيط الهندي بعد اكتشاف ممر رأس الرجاء الصالح، فقد عقد الفرنسيون اتفاقية تجارية مع حاكم عمان ” أحمد بن سعيد” لكن الإنكليز سرعان ما تنبهوا للخطر الفرنسي وعقدوا اتفاقية مع سلطان عمان عملت على تقويض علاقته بالفرنسيين، ولم يكتفوا بذلك فقط بل قاموا بتسيير حملة بحرية وحاربوا فيها الفرنسيين في معقلهم الأساسي في المنطقة بجزيرة دي فرانس” موريشيوس” وذلك في عام 1810م، وبذلك تكون بريطانيا قد استحوذت على الخليج العربي بشكل كامل.

وفي الخلاصة نستطيع القول أن الطرق التجارية منذ القِدم محل تنازع بين الأمم، وكانت سبباً لنشوء الحروب وقيام النزاعات وليس الخليج العربي ببعيد عن هذه المنازعة، فقبل اكتشاف رأس الرجاء الصالح كانت التجارة مزدهرة في المنطقة العربية، وكانت تشكل عامل دخل قوي تستفيد منه شعوب المنطقة، وملك العرب بشكل عام والعمانيين والقواسم بشكل خاص أساطيل بحرية تجارية متقدمة عن زمنها، كما ملكوا طريقي التجارة العالميين آنذاك، وكان لهم ممالكهم القوية كمسقط وهرمز والأحواز والتي بقيت قائمة إلى أن تعاقب على تدميرها الأطماع الصفوية وتلاها الغزو البرتغالي ثم الهولندي وليس آخرها البريطاني الذي استقر في دول الخليج مدة تزيد عن قرنين من الزمن، ولم يغادرها إلا متأخراً بفعل خروجه منهك من الحرب العالمية الثانية، وكعادة كل الغزاة كان ثمن رحيلهم من المنطقة الكثير من الأرواح والأموال التي بذلها اهل الخليج.

التعليقات مغلقة.