الأخلاق في الإسلام

19

ما مكانة الأخلاق في الإسلام؟

الإسلام بحقيقته عقيدة وعبادات وأخلاق، والأخلاق الإسلامية نابعة من الدين وهي غايته القصوى فقال الرسول الكريم:” إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق”. مصدر الأخلاق في الإسلام هو القرآن والسنة، فهي أصيلة في مصدرها ولا يجوز القول إن للأخلاق الإسلامية مصدر آخر كما هو الحال في الفلسفات الشرقية القديمة، ولا تنطبق عليها المراحل الثلاثة: السذاجة والنضج والاكتمال، والتي يصلح أن نقول أنها مرت على الفلسفات الغربية، فالأخلاق الإسلامية ولدت مكتملة كما وردت في القرآن وطبقها الرسول.

كما ورد عن الرسول الكريم قوله:” أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خُلقاً”، فالإيمان يختلف من شخص إلى آخر لكن أفضل المؤمنين إيماناً هو من كان أرفعهم خلقاً.

لا تصح المقارنة بين الفلسفة الأخلاقية في الإسلام والفلسفة الخلقية الغربية فالثانية خلقها العقل، أما الأولى فدور العقل فيها هو الفهم والتحليل لما جاء منها في القرآن والسنة.

العقيدة والأخلاق في الإسلام

إنّ الإيمان قوة رادعة عن الدنايا وتدفع الإنسان للمكرمات، فيقول الله تعالى:” يا أيها الذين آمنوا” ثم يتبعها ب ” اتقوا الله وكونوا مع الصادقين” وهذا تصريح واضح أن الإيمان القوي يولد حتماً الخلق القوي، وأكّد هذا الرسول الكريم بقوله: ” الحياء والإيمان قرناء جميعاً فإذا رفع أحدهما رفع الآخر”.

يوجد في المجتمع من المنتسبين للدين من يستسهل أداء العبادات المطلوبة لكنه يرتكب أعمالاً منافية للخلق الكريم، وحذر الرسول هؤلاء الخالطين وحذر منهم، فهناك فرق كبير بين التقليد بالعبادة وبين تشرٌّب روحها، وورد أثر عن الرسول في هذا الموضوع فقيل له أنَّ فلانة تذكر من كثرة صلاتها وصيامها وصدقتها، غير انها تؤذي جيرانها بلسانها فقال: هي في النار. وبهذه الإجابة تقدير واضح من الإسلام لقيمة الخلق العالي، فاذا انزاح الخلق ونمت الرذيلة في النفوس فهذا يؤدي لانسلاخ المرء عن دينه، فلا قيمة للعبادة بلا خلق، وفي الحديث الآتي للرسول توضيح أنّ العبادة بلا خلق لا قيمة لها فقال:” آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا عاهد غدر، وإن صلى وصام وزعم أنه مسلماً”.

العبادات والأخلاق في الإسلام:

حدد الرسول الكريم الغاية الأولى من بعثته وهي إتمام مكارم الأخلاق، أما العبادات التي جاء بها الإسلام ليست طقوساً تربط الانسان بالمجهول بل هي تمرين للإنسان ليحيى بأخلاق صحيحة ، والقرآن والسنة يكشفان العلاقة بين الأخلاق والعبادات بوضوح، فالصلاة مثلاً تنهى عن الفحشاء والمنكر في النص القرآني الصريح، والزكاة ليست ضريبة بل غرس لمشاعر الحنان والرأفة فقال تعالى” خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها”، والصوم ليس حرماناً للطعام والشراب بل هو خطوة لتهذيب وحرمانها من شهواتها المحظورة فلا لغو ولا رفث، ويحسب البعض أنّ الحج رحلة مجردة من المعاني الخلقية ، لكن الحج كما أوضح الرسول هو موسم الابتعاد عن الرفث والفسوق والجدال.

الأخلاق في الإسلام

خلاصة القول ان العبادات الإسلامية متباينة في جوهرها ومظهرها لكنها تلتقي جميعاً في تجسيد الأخلاق والحض عليها.

ما أهمية الأخلاق في الإسلام

للأخلاق أهمية خاصة في الإسلام، فوردت الكثير من الآيات في القرآن تُثني على حسن الخُلق، فقد وصف الله تعالى الرسول الكريم محمد عليه الصلاة والسلام فقال:” وإنك لعلى خلق عظيم”، كما أنَّ صلاح الأمم والحضارات وبقائها قوية متماسكة ومستمرة هو مقدار تحليها بالأخلاق الرفيعة، وأن أول علامات الخراب في الدول هو سوء أخلاق ساكنيها فقال تعالى:” وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا”.

سمو الأخلاق وصلاح المجتمع

جاءت التعاليم الإسلامية لنقل البشر بخطوات كبيرة نحو الأخلاق، ثم أحصى الاسلام كل الفضائل وحثّ على اتباعها، ولو أردنا إحصاء ما قاله الرسول عن التحلي بالأخلاق، ما كفتنا مجلدات كثيرة وكلها تصب بمكان واحد وهو: التحلي بالأخلاق الفاضلة.

أثر القدوة في حسن الخلق

 

الأخلاق في الإسلام

إن حسن الخلق لا يأتي بالتعاليم المرسلة، بل يحتاج إلى تربية طويلة والتي تحتاج لأسوة حسنة، فالسيء لا يترك في النفس أثراً طيباً، وكان النبي بين أصحابه قدوة لسمو الخلق بما جاء عنه من أقوال وأفعال، وإن اكتساب الأخلاق في الإسلام يأتي عن طريق الصحبة الصالحة وتمثُّل الأسوة الحسنة.

خصائص الأخلاق في الإسلام

من أهمها أن تلك الأخلاق ربانية المصدر، فهي من الله تعالى وليست من البشر، كما أنها شاملة ومتكاملة فلا وجود لثغرات فيها تعيبها وهذا أمر طبيعي لأنها من عند الله، وهي صالحة لكل زمان ومكان، كما أنها تتصف بمعجزة الإقناع لتوافقها مع العقل السليم، كما أنها تحدد المسؤولية، فكل إنسان مسؤول عن أعماله فقط ولا علاقة له بأعمال الآخرين بغض النظر عن درجة قرابتهم منه.

الأخلاق في الإسلام وإصلاح النفس الإنسانية:

يعتمد الإسلام في الإصلاح على تهذيب النفس، والإسلام في رحلة علاجه للنفس ينظر إليها من ناحيتين: الأولى أنَّ فيها فطرة طيبة تحب الخير وتعمله، وترتكب الشر وتحزن لفعله، أما الثانية أن النفس تعتريها نزعات طائشة تُضل الطريق ويتزين لها فعل ما يضرها. إنّ تلك الصفتين تتنازعان على قيادة الإنسان ومآله مرتبط بالنزعة التي يستسلم لها فقال تعالى:” قد أفلح من زكاها وقد خاب من دسّاها”.

إن وظيفة الفطرة السليمة هي أن تستقيم مع الحق بالرغم مما يطرأ عليها من شوائب ، والواجب على الإنسان جهاد هذه الشوائب حتى ترجع الفطرة لصفائها الأصيل، وينظر للحرية النفسية والعقلية على أنها أساس الأخلاق، فالإجبار على الفضيلة لا يصنع انساناً فاضلا” والإكراه على الإيمان لا يجعل الإنسان مؤمناً، فالحرية العقلية والنفسية هي أساس المسؤولية الأخلاقية والإسلام يحترم هذا الأساس، والإسلام ينظر للفطرة الإنسانية على أنها تحتوي الخير، وهذا لا يعني أن الانسان ملاك أو لا توجد به شرور، بل المقصود أنً الخير متأصل فيه ويتلاءم مع طبيعته الأساسية، وهو يحمّل البيئة مسؤولية كبيرة من توجيه الإنسان للخير أو الشر من حيث الإبقاء على سلامة الفطرة الإنسانية أو حرفها عن مسارها القويم.

اتساع دائرة الأخلاق في الإسلام:

لكل دين شعائر خاصة به، وفي الإسلام طاعات معينة ملزمة للمسلمين فقط، أما التعاليم الخلقية الواردة فيه فهي تكفل للمسلم لقاء أهل الأرض بفضائل لا تصلها شبهة، فأمرنا ألا نجادل أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن، وأمر بالعدل ولو مع كافر، وأن يصل أرحامه حتى لو خالفوه بالدين، والأمثلة كثيرة على الالتزامات الخلقية الشخصية، ومن ناحية الالتزامات العامة فقد قال الإسلام أن الأمم تزدهر وتبقى مادامت محافظة على الأخلاق، وأوضح الرسول ذلك لقومه وعشيرته الأقربون حيث مكنتهم أخلاقهم من سيادة جزيرة العرب وأن ملكهم سيزول بزوال الخلق منهم.

اعتمادا على الوارد سابقاً نقول أن الخلق القويم هو عبادة وأنَ ما جاء من عبادات مشرعةٍ في ديننا  هي تثبيت للأخلاق وتدريب مستمر عليها، وكانت الحكمة الربانية بربط هذه العبادات في النصوص بالأخلاق هي استدامة للأخلاق ما بقيت تلك العبادات وما بقي ذلك الدين القويم، وإن الأخلاق في الإسلام هي ركن ركين ومقياس لصلاح المؤمن و فلاحه.

التعليقات مغلقة.