الاستعمار الاوروبي للخليج العربي

182

مقدمة

منذ سقوط مدينة غرناطة في العام 1492م، انتهى الوجود العربي الإسلامي في القارة الأوروبية، فقد بقيت الدولة العربية في الأندلس زُهاء سبعة قرون ونيّف، وبعد هذا السقوط اتجهت معظم القوى الأوروبية باتجاه أفريقيا وآسيا للسيطرة على ثرواتها، ومن أكثر تلك الدول رغبة في الاستعمار هي مملكة قشتالة وآرغون التي كانت متاخمة لغرناطة، ويضاف لها البرتغال كمملكة مجاورة لها مطامع استعمارية، وأكثر ما ساعد تلك القوى الأوروبية ليكون لها نفوذ استعماري هو امتلاكها لأسطول بحري متطور وخصوصاً البرتغال، ومنذ بدايات القرن السادس عشر بدأ الاستعمار الاوروبي بالانتشار والسيطرة على معظم مناطق العالم القديم وخصوصاً  المنطقة العربية.

الاستعمار البرتغالي منذ مطلع القرن 16حتى منتصف القرن 17

كانت بداية الاستعمار الاوروبي في الخليج العربي بقيادة البرتغاليين، حيث لعب البرتغاليون دوراً مهماً في التاريخ الحديث للخليج العربي، ونظرا لأهمية هذه المنطقة نقلوا نشاطهم البحري إلى السواحل الغربية لأفريقيا وقد تمكنوا من الوصول لسواحل الهند لأول مرة عام 1498م وكانت هذه الرحلة هي بداية تشكل امبراطوريتهم في الشرق.

البرتغاليون وسواحل الجزيرة العربية:

يتلخص قدوم البرتغاليين للمنطقة بعدة عوامل

  • تفكك المنطقة وضعف قياداتها بسبب الخلافات المذهبية والسياسية
  • رغبة البرتغاليين في احتكار التجارة الشرقية ووقف الملاحة العربية في المياه الهندية
  • الروح الصليبية التي كانت سائدة عند العديد من ضباط البحرية على غرار”ألفونسودا لبوكيرك” الذي تولى حكم مستعمرات الهند لاحقا

توجه اسطول برتغالي بقيادة “تريستان داكونها ” إلى سواحل شبه الجزيرة العربية واستولى على “سوقطرة” وعهد بحكمها إلى “لبوكيرك” ليعيق حركة التجار العرب.

البوكيرك يتوجه إلى منطقة الخليج العربي:

توجه البوكيرك بسفنه نحو جزر كوريا موريا واستولى عليها عام 1506 ومن ثم سيطر على كل من قلهات وقريات ثم اتجه إلى مسقط واستولى عليها بعد مقاومة أهلها وتابع زحفه وسيطر على صحار وخورفكان، ثم توجه إلى مسندم وبعدها إلى هرمز التي استولى عليها بعد معركة قوية. بقي البوكيرك في هرمز لمدة عام ثم غادر إلى الهند بطلب من حاكمها دالميدا.

البوكيرك يخلف دالميدا:

كان الحاكم الربتغالي دالميدا يختلف عن البوكيرك في عدة نقاط، فلم يتشارك معه الفكر الصليبي المتشدد وكان يميل للسيطرة البحرية على المنطقة على عكس البوكيرك الذي يريد إقامة قلاع وحصون وامبراطورية، ولأن الملك البرتغالي عمانويل كان أقرب بفكره للبوكيرك فقد عينه خلفاً لدالميدا في 1509م. أراد البوكيرك التحالف مع شاه فارس لتوسيع نفوذه نحو البلاد العربية، فأرسل له رسالة يعرض فيها خدماته لمساعدته ضد الترك.

الاستعمار الاوروبي والحملات الصليبية

وجّه البرتغاليون أنظارهم تجاه الجزيرة العربية والبحر الأحمر لأهداف صليبية ولأنها طريق الأماكن المقدسة، فتوجه البوكيرك على رأس اسطول ووصل إلى عدن وأحرق سفنها، ثم توجه للبحر الأحمر لكنه لم يستطع التقدم بسبب الظروف الجوية فعاد إلى عدن ثم إلى الهند وأرسل بعدها ابن أخيه “بيرو” على رأس حملة لمواجهة الثورة في هرمز والتي أعلنت تبعيتها للشاه الصفوي.

اتفاقية هرمز:

قاد البوكيرك اسطول باتجاه هرمز 1515م لوأد الثورة فيها، وقام بقصف المدينة بالمدافع، فوصل سفير من قبل الشاه الصفوي وعقدت مفاوضات بين الأطراف الثلاثة والتي انتهت بتوقيع اتفاقية هرمز 1515م وأصبحت هرمز على إثرها تتبع للبرتغاليين مقابل دعمهم الشاه لاحتلال القطيف والبحرين وبحربه ضد الترك. غادر البركيرك بعدها إلى الهند وهو بحالة صحية سيئة وتوفي في “جوا” في ديسمبر1515.

مواقف القوى الإسلامية من الغزو البرتغالي:

الدولة الصفوية الفارسية:

كان الدولة الصفوية مشغولة بنشر مذهبها الشيعي بعد أن وحدت الكيانات الفارسية بدولة في 1501م وقد تاخموا الدولة العثمانية السنية وأرادوا نشر التشيع فيها فاصطدموا معهم في معركة تشالديران 1514م وانتصر فيها العثمانيون وتقهقر الفرس وهذا ما منعهم من الصدام مع البرتغاليين، بل ورحبوا بالاستعمار الاوروبي البرتغالي.

الدولة المملوكية:

كانت هذه الدولة السنية منهكة بسبب مواجهتها للمغول والصليبيين ومع ذلك قاومت البرتغاليين، إلا أن هذه المقاومة انتهت بعد خسارة المماليك أمام العثمانيين بمعركة مرج دابق 1517م ومقتل سلطانهم “قانصوه الغوري”.

الدولة العثمانية:

واجهت الدولة العثمانية البرتغاليين وخصوصاً بعد استيلائها على مصر، فأرسل السلطان العثماني رسالة لواليه على  مصر “سليمان باشا” يؤمره فيها بمحاربة البرتغاليين، أبحر سليمان باشا على رأس أسطول واستولى على عدن وأجزاء من اليمن ونتيجة لخسارته لاحقاً في المياه الهندية اتجه للخليج وحاصر هرمز،  ثم أرسل العثمانيون أسطولاً آخر “بقيادة بيري “بيك استولى على مسقط لكنه فشل بالسيطرة على هرمز، ثم خسر الأسطول العثماني بقيادة” علي بن حسين” معركته مع البرتغاليين بقيادة “دي منزيس” ثم ما لبثوا أن هزموا البرتغاليين واستولوا على مسقط مرة أخرى في 1581م.

الثورة على البرتغاليين:

نتيجة لسياسة البرتغاليين المتسمة بالتدخل والعنف، ثارت عليهم مناطق الخليج وقام حاكم هرمز “توران شاه” بتوحيد الثورة ضدهم، وبدأت حاميات البرتغاليين بالسقوط الواحدة تلو الأخرى بالرغم من الاتفاقية التي أبرموها مع الحاكم الجديد لهرمز.

عوامل ضعف النفوذ البرتغالي:

  • خضوع البرتغال للإسبان على يد فيليب الثاني 1580م.
  • سياسة البرتغاليين القائمة على القسوة والجشع مما أجّج الثورات ضدهم.
  • اعتمادهم على المرتزقة الهنود نتيجة قلة العامل البشري البرتغالي.
  • احتكار الحكومة البرتغالية للسلع المربحة مما أثار نقمة التجار عليهم.
  • فقدان النظام في البحرية البرتغالية لتكرار حوادث التمرد.
  • ظهور القوى البحرية المنافسة في الخليج كالهولنديين والإنجليز.

إخراج البرتغاليين من الخليج:

ساعدت الظروف القوى المؤثرة على إخراج البرتغاليين، وتمثلت تلك القوى بالإنجليز والفرس من جهة واليعاربة في عمان من جهة أخرى. لقد توافقت المصالح الإنكليزية والفارسية في الخليج مما أدى لتعاونهما ضد البرتغاليين فقد تفرغ الفرس للبرتغاليين بعد انتصارهم على الاتراك في معركة تبريز 1618م أما الإنكليز فقد أرادوا كسر احتكار البرتغاليين للتجارة وخصوصا بعد تأسيسهم شركة “الهند الشرقية الإنكليزية” وجرت مفاوضات بين الإنكليز والفرس لإخراج البرتغاليين وفق الأسس التالية:

  • ان يتقاسم الطرفان المسلوبات.
  • توزيع الاسرى بينهم فيذهب الاسرى المسيحيين للإنجليز اما المسلمين للفرس.
  • أن تؤول قلعة هرمز للإنكليز، ويحق للفرس بناء قلعة مماثلة فيها.
  • إعفاء السلع الإنكليزية من الرسوم والضرائب.

اما اليعاربة فنجحوا في تأسيس دولتهم في 1624م وتمكن الإمام “ناصر بن مرشد” من هزيمة البرتغاليين والفرس، وبعد انتصاره وسيطرته على مسقط طلب البرتغاليون الصلح وتم إبرام اتفاق بين الطرفين كالتالي:

  • التزام البرتغاليين بهدم قلاعهم وتعهد الامام بهدم القلعة العربية
  • تمتع السفن العربية بحرية الملاحة مع حمل جوازات برتغالية لدى رجوعها للبلاد
  • حرية التجارة وإعفاء رعايا الإمام من الضرائب في مسقط.

لكن ما لبث البرتغاليون ونقضوا الاتفاق بعد وفاة ناصر بن مرشد، فسار إليهم خليفته “سلطان بن سيف” وهزمهم وسيطر على مسقط في 23 يناير 1650م والتي كانت آخر معاقلهم.

 الاستعمار الهولندي منذ مطلع القرن 17 حتى منتصف القرن 18

بعد اختفاء البرتغاليين جاء الهولنديون للمنطقة لمنافسة الانجليز، فأرسلوا البعثات الكشفية للمنطقة وتعرفوا على طرق الوصول إليها وجاءت أول رحلة لهم للمنطقة بقيادة “كوريليس هوتمان” الذي استولى على بعض جزر الهند الشرقية. أسس الهولنديون شركة” الهند الشرقية الهولندية” واشتبكت مع البرتغاليين وطردتهم وأحكمت السيطرة على جزر الهند الشرقية.

الاستعمار الاوروبي

 الاستقرار في بندر عباس:

ساعد الهولنديين الانجليز في معركتهم ضد البرتغاليين عند ميناء بندر عباس عام 1625م واستقروا في الميناء واتخذوه مركزا تجاريا لهم، ضغط الهولنديون على الشاه عباس الصفوي للحصول على امتيازات تجارية، الأمر الذي أثار حفيظة الانجليز.

استخدام القوة للضغط على الشاه:

رجحت كفة الهولنديين على الانجليز، فقام الانجليز بنقل مركزهم من بندر عباس لميناء البصرة لكن الهولنديين لحقوهم وقصفوا مركزهم وقضوا على تجارتهم. قامت حربين بين البلدين الأولى 1652م انتصر فيها الهولنديين والثانية 1688م ولم تؤثر على تجارة البلدين، ثم وقفت إنكلترا مع هولندا في حربها ضد فرنسا عام 1688م وشكلت هذه الحرب بداية خضوع المصالح الهولندية للإنجليز.

الانسحاب الهولندي من الخليج:

كانت الخسارة التي ألحقها لويس الرابع عشر بالهولنديين منتصف القرن 18 ضربة لتجارتهم في المشرق ففقدوا نفوذهم ونقلت شركة “الهند الشرقية الهولندية “مراكزها من الموانئ الخاضعة للعثمانيين والفرس إلى جزيرة “خارج”، إلى أن أخرجهم المير “محمد بن نصر” منها عام 1765م وبذلك انتهى نفوذهم في المنطقة.

الاستعمار البريطاني من القرن 17 حتى نهاية القرن 18

بعد خروج الهولنديين والبرتغاليين من الخليج لم يبقى هناك منافس للإنجليز في المنطقة، التي لم تكن غريبة عنهم اساساً فمنذ القرن السادس عشر كان لهم تواصل معها وأدركوا أهميتها تجارياً واستغلوا الخلاف البرتغالي الفارسي لتقوية نفوذهم هناك.

ترحيب الشاه الفارسي بالإنجليز:

رحب الشاه بالإنجليز ومنحهم امتيازات ومراكز تجارية وتعاون معهم ضد البرتغاليين وعهد لشركة الهند الشرقية البريطانية بحماية التجارة في الخليج.

إغلاق المنافذ في وجه الفرنسيين:

عندما علم الانجليز بعزم فرنسا ارسال حملة على الشرق أرادوا إحباط مخططهم بإغلاق منافذ مسقط وبغداد وفارس بوجههم.

في مسقط:

أوفدت الشركة الإنجليزية مندوباً عنها تفاوض مع حاكم مسقط “سلطان بن احمد” وأفضت المفاوضات إلى معاهدة في 12 أكتوبر 1798م اهم بنودها تعاون الطرفين مع بعضهما ضد النفوذ الفرنسي وإخراج الفرنسيين من مسقط ومنح ميزات تجارية للطرفين، وبهذا تكون مسقط خرجت من حالة الحياد وأصبحت حليفا للإنجليز.

الاستعمار الاوروبي

في بغداد:

لم تكن مباحثات الموفد البريطاني السير “هارفورد جونز بردجز” صعبة مع سليمان باشا حاكم بغداد وذلك لحاجته لأسلحة الانجليز لقتال الموحدين ولوساطتهم للتقريب بينه وبين حكام الخليج.

في فارس:

أرسل الانجليز الضابط “جون مالكولم” للتفاوض مع الامبراطور “علي شاه” للوقوف ضد الفرنسيين وبالفعل أبرمت معاهدة بين الطرفين في 28 يناير 1801م كان اهم بنودها وقوف الطرفين مع بعضهم ضد أي قوة تحاول غزو الهند وأصدر الشاه فرمان بمنع الفرنسيين من النزول على الساحل الفارسي. وبهذا يكون الانجليز اغلقوا كل المنافذ امام الفرنسيين.

 الاستعمار الفرنسي من القرن 18 حتى أوائل 19

لم تكن فرنسا بعيدة عن المنطقة حيث زاولت نشاطاً تجارياً فيها بعد تأسيس شركة “الهند الشرقية الفرنسية” واستأجرت جزيرة خارج 1807م وأقامت مركزا تجاريا في بندر عباس، أرادت فرنسا ان يكون لها قدم في المنطقة لتسهيل اتصالها بمستعمراتها في المحيط الهندي فدفعهم ذلك لإعداد بنود اتفاقية مع حاكم مسقط الذي أراد عقد هكذا اتفاق لما يدرّه على مسقط من منافع وارسل للفرنسيين لإقامة وكالة تجارية في مسقط إلا ان الفرنسيين لم يهتموا بذلك بسبب اهتمامهم بطريق البحر الأحمر، إلا أنها أدركت أهمية طريق الخليج بعد حربهم مع إنكلترا 1793م فقامت بخطوتين لتعزيز وجودها:

  • إقامة قنصلية للفرنسيين في مسقط.
  • إرسال بعثة فرنسية إلى فارس لمراقبة الطرق المؤدية للهند.

 

الخاتمة:

كان الاستعمار الاوروبي لدول الخليج حلقة من حلقات الاستعمار الاوروبي لدول آسيا وأفريقيا، وفي تلك الحقبة عانى سكان الخليج معاناةً كبيرة من هذا الغزو، وما رافقه من فظائع ومجازر، ويروي لنا التاريخ قصص عن همجية الرجل هؤلاء الغزاة المُشبعين بالحقد الصليبي، وكانت إحدى أكثر تلك القصص همجية هو ما فَعل البرتغاليون بمدينة عمانية_ مدينة خور فكان في الإمارات الآن_ خلال الغزو، فقد قاموا بإحراق المدينة وقتل الكثير من سكانها، وأما من تبقى من السكان على قيد الحياة، قاموا بجدع أنفه سواء كان رجل أو امرأة أو طفل، لتكون هذه واحدة من أكثر قصص الغزاة همجية على مر التاريخ.

التعليقات مغلقة.