وراء كل عظيم إمرأة

16

إنَّ وراءَ كلِ رجلٍ عظيمٍ امراةٍ عظيمةٍ و إنَّ كلَّ شخصيةٍ عظيمةٍ لابُدَّ لها و أنْ تخرجْ مِنْ عبقِ أحضانِ امرأةٍ ترعاها و تطعمها و تسقيها الحنانَ و الرأفةَ قبلَ الشّرابِ سواءً هذه المرأةُ كانت أماً تلدُ و تربي أو مرضعةً أو حتى راعيةَ أجيالٍ في دورِ الأيتامِ في أيامنا هذه . فلماذا إذا يتمسكُ نوعٌ من الرجالِ بأقوالٍ و عباراتٍ أقولُ بعضاً منها ” ما بتعرف تربي، و نسلْنا  فشل من ورا تربايتن … إلخ”  و هذه الأقوالُ تناقضُ حقيقةً يتغافلُ عنها كثيرٌ من الرجالِ بل و يردُّها نفسُ الرجلِ إذا سألته منْ ربَّاكَ؟ فيجيب بكل فخر و عنجهية أُمّي و هل أُمك إلًّا امرأةٌ مِنْ تلكَ النساء؟! و حقيقةُ أنَّ المرأةَ خيرُ مُربّي تُثْبِتُها السّيرُ الذاتيةُ لكثيرٍ مِنْ العظماءِ عبرَ التاريخِ و سأكتفي بذكرِ بعضِ علمائنا المسلمين الذين لا يجهلُهُم الصغيرُ و الكبيرُ فالأمامُ مالك  و الأمام الشافعي والأمام أحمد بن حنبل و الأمام عبد القادر الجيلاني و غيرُهم كثير كلٌّهم كانوا ثماراً لتربيةِ امرأةٍ فقط لأنَّ الأباءَ ماتووا . بل أقولُ هل ربَّى سيّدنا محمداً صلى اللهُ عليهِ و سلَّمَ بعدَ ربِّه إلَّا النساءَ و طالما كان علماؤنا يقولونَ أنَّ اللهَ اختارَ لنبيه أصحابَه فلماذا إذاً ينسونَ أنْ يقولوا و اختارَ له مربياتِه بل و لماذا لا يقولونَ لأنَّ النساءَ خيرَ من ربّى أختارُ اللهُ النِّساءَ لتربي نبيَّه و تركَ لأصحابهِ نصيبَ الدفاعِ عن نبيِّه.

و النوعُ الآخرُ و هو الأشدُ خطراً من سابقِه هم الرجالُ الذين يتمسكونَ بأحاديثٍ أخذوا تفاسيرَها منْ معاجمِ اللٌّغةِ فقط ، و هل هذا المنهجُ في التفسير مُؤصَّلٌ في علمِ شرحِ الحديثِ، وهنا لا بدَّ أنْ أذكرَ مثالاً أشبهُ ما يكونُ بحكمةِ الصّباحِ تتكررُ كلَّ يومٍ على ألسنةِ بعضِ الرجالِ و هو حديثُ “النساءُ ناقصاتُ عقلٍ و دينٍ” و أنا لا أريد أن أفسّرَ و لا أشرحَ فلستُ أهلاً لذلك ، و لكن أريدُ أنْ أُلفتَّ أنظارَ هذا النوعِ من الرجالِ أنَّ الأمامَ البخاري نفسَهُ ربَّتْهُ أُمُّهُ و كَبُرَ في حجْرِها لأنَّ والدهُ ماتَ و هو صغيرٌ، و هنا أقولُ كيفَ لناقصةٍ العقلِ و الدينِ أنْ تنجحَ بتربيةِ أورعَ منْ حدَّثَ و أذكى منْ أسندَ و لأنَّ اللبيبَ مِنْ الإشارةِ يفهمُ لا داعيَّ حتى لذكرِ تفاصيلِ حادثةِ النّبي صلى الله عليه و سلّم مع أمِ المؤمنينَ سيّدتِنا أمِّ سَلَمةٍ رضي اللهُ عنها و أرضاها عندما أخذَ النّبيُ بمشورتِها أثناءَ صلحِ الحديبيةِ و تجدر الإشارةُ أنَّ أفعالَ النّبي خيرُ مُفسّرٍ لأقوالِه و هذا منهج مُؤصَّلٌ عندَ الشُّراحِ و كان قصدي من هذا أنْ أقولَ كيف يأخذُ النّبيُ برأي من هو أو هي ناقصةُ عقلٍ و دينٍ؟! و في ختام هذا الجزء من الكلام أتمنى أن يتركَ الرجالُ في التعليقاتِ أسماءَ عظماءٍ ربَّاهُم الآباءُ وحدَهُم  دونَ اللجوءِ  لأيِّ امرأة كانت على سبيلِ المثالِ جدةً أو زوجةَ أبٍ رحيمةٍ أو خادمةً.

إنَّ قداسةَ المرأةِ في أمومَتِها و جلوسِها ساعتينِ كاملتينِ تُقَبِلُ أياديَّ صغارِها و تعطِهمْ  كلَّ ما تملكُ مِنْ أجلِ أنْ تُطعِمَهم لقمةً أخرى قد حرَمَت نفسَها مِنْ هذهِ اللقمةِ لأجلِ صغارِها . و أكثرُ شيءٍ نحتاجَهُ اليومَ و في ظل هذه الظروفِ التي نشهدُها في عالمِنا العربيِّ أمٌ بناءةٌ و السبيلُ الوحيدُ لذلكَ في العلمِ و التعلمِ و كفى بذلك شرطاً لإعادةِ تأهيلِ مجتمعاتِنا و هنا أذكرُ قولَ الشاعرِ أحمد شوقي “الأمُ مدرسةُ إنْ أعددتَها أعددتَ شعباً طيبَ الأعراقِ” و إن كنتِ أنتِ ضحيةَ مجتمعٍ تنتقديهِ فأسسي لبناءِ مجتمعٍ لأولادكِ منْ بعدَكِ فورقةُ التغيرِ بيدكِ لأنكِ أنتِ التي تُربينَ الأزواجَ و أنتِ أيضاً تُربينَ الأمهاتِ و الأمومةُ تقتضي طلبَ مستقبلٍ أفضلَ للأبناءِ ، لذلكَ دَعُونَا نستبدلُ عبارةَ “المرأةُ مكانُها بيتُ زوجِها” بعبارةِ “كي تكونَ المرأةُ ناحجةٌ في بيتِ زوجِها فمكانُها دورُ العلمِ و التعلمِ” و نستبدلُ عبارةَ “زوجكِ يأمّنُ لكِ كلَّ شيءٍ” بعبارةِ “تعلمي كي تُأمِّنا أنتِ و زوجكِ لأولادِكم كلَّ شيءٍ”.

التعليقات مغلقة.