حرب الخليج الثانية 1990-1991م

9

شهدت منطقة الخليج العربي خلال العقدين الأخيرين من القرن العشرين والعقد الأول من القرن الحادي والعشرين ثلاثة حروب كبيرة، لم تجلب هذه الحروب للمنطقة سوى الويلات، ويمكن ان نقول عن حرب الخليج الثانية انها أكثر بشاعة ليس فقط بنتائجها المادية على أرض الواقع بل أيضأً كان لها تأثير تدميري معنوي أكبر بكثير من المادي بسبب اجتياح دولة عربية (العراق) لدولة عربية أخرى (الكويت) وهذا بالضرورة أدى إلى تخريب وشائج العروبة التي تربط البلدين الجارين ببعض، وصلات القربى التي تربط الشعبين العراقي والكويتي سويةً.

ويمكننا أن نعرف حرب الخليج الثانية بأنها الحرب التي قادت بها الولايات المتحدة الأمريكية تحالفاً لتحرير الكويت بعد اجتياح الجيش العراقي لها في 2 أغسطس 1990 بأوامر من الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، وجاء الاقتحام على إثر اتهامات من العراق للكويت بسرقة النفط والتآمر ضد النظام العراقي من قبل الكويت.

كان لأمريكا مصلحة كبيرة في حدوث مثل هكذا حرب وخصوصاً في هذه المنطقة الغنية بالنفط ولعبت أمريكا دوراً مزدوجاً فهي شجعت العراق بشكل غير مباشر على غزو الكويت، وعند حدوث الغزو شكلت تحالفاً من عشرات الدول (34) دولة خلال أيام قليلة لإخراج القوات العراقية من الكويت وهذا ما ظهر في مذكرات ريتشارد هاس[1] مساعد الرئيس الأمريكي جورج بوش الأب والمدير الأعلى لمجلس الأمن القومي الأمريكي (1989 – 1993) ففي مذكراته (حرب الضرورة وحرب الاختيار) تحدث فيها عن أن حرب الضرورة تتضمن المصالح الحيوية وعدم القدرة على حمايتها بوسائل غير القوة العسكرية ويرى أن غزو العراق للكويت والحرب الأمريكية لتحريرها هي حرب ضرورة لأن المصالح الأمريكية كانت في خطر بسبب سيطرة قوة معادية على نفط الكويت وستمنعه من التدفق لها، وليس بإمكان الدبلوماسية أو العقوبات حل هذه المعضلة واللجوء للقوة هو الوسيلة الوحيدة لذلك وأكد هاس أن النفط هو الدافع الأساسي لأمريكا لتقوم بتحرير الكويت.

الباحث في هذه الحرب يعلم أن ردة الفعل الأمريكية ليست وليدة الصدفة وهي مخطط لها منذ زمن وقد استعرض (ريتشارد هاس) ذلك في مذكراته، حيث أن اهتمام أمريكا بهذه المنطقة بدأ منذ انسحاب القوات البريطانية من شرقي السويس، ويذكر أن أمير الكويت التقى ب هنري كيسنجر والرئيس الأمريكي نيكسون عام 1968حيث أراد الأمير معرفة خطط الإدارة الأمريكية الجديدة في المنطقة.

قامت سياسة أمريكا منذ سبعينيات القرن الماضي في الخليج على مبدأ (الدعامتين التوأمين) وهما ايران والسعودية بحيث باعت للبلدين أسلحة بمليارات الدولارات بهدف استقرار المنطقة الغنية بالنفط وكذلك لمعادلة القوة العراقية المتصاعدة والتي وقعت معاهدة صداقة مع الاتحاد السوفييتي في 1972 م، لكن سياسة الدعامتين  التوأمين سقطت عام 1979 م بسبب ثورة الخميني في إيران واستسلام الشاه، الذي كان سقوطه أكبر هزيمة خارجية للإدارة الأمريكية في ذلك الوقت وتلا ذلك السقوط احتجاز دبلوماسيين أمريكيين في طهران وغزى السوفييت أفغانستان وعلى إثر ذلك وضع الرئيس الأمريكي كارتر مبدأ جديد فحواه : كل محاولة خارجية للسيطرة على منطقة الخليج تعد هجوماً على المصالح الأمريكية ويصد ذلك الهجوم بكل السبل بما فيها القوة العسكرية. كل هذه الأحداث جعلت الخليج العربي منطقة ذات أولوية استراتيجية لدى الولايات المتحدة الامريكية.

دعمت الولايات المتحدة الامريكية العراق بشكل محدود بعد ثورة الخميني ولكن هذا الدعم أصبح أكثر وضوحا بعد تصاعد القوة الإيرانية بعد ثورة الخميني، فعادت العلاقات بين البلدين بعد قطيعة لمدة 17 عام ودعمت العراق ببرنامجين الأول كان السماح ببيع المنتجات الزراعية الامريكية للعراق والثاني كان بالسماح ببيع الأدوات المزدوجة الاستعمال (مدني وعسكري)

-أسباب الحرب: تعددت الأسباب التي أدت لوقوع هذه الحرب، ويمكن إجمالها بما يلي:

1-أسباب اقتصادية: خرج العراق منهكاً اقتصادياً من حربه مع إيران، وكان عليه ديون كثيرة تقدر بعشرات المليارات من الدولارات لدول الخليج، فأراد العراق اسقاط هذه المديونية بحجة ان حربه مع إيران خدمت العرب ككل، وزاد الخلاف على   إثر طلب العراق من الكويت قرضاً آخر ولم يتم الموافقة على قيمته من قبل الكويت، وتدخلت السعودية للتعهد بإكمال القسم المتبقي من القرض، لكن المحادثات بين الأطراف الثلاثة باءت بالفشل.

2-الخلاف حول النفط: اتهم العراق الكويت بأنهم يقومون بإنتاج كميات كبيرة من النفط [2] أكبر من حصتهم المنوطة بهم حسب منظمة (أوبك)بهدف خفض أسعار النفط وضرب الاقتصاد العراقي بالإضرار بالقطاع الأساسي الذي يعتمد عليه، والتنقيب عن النفط بشكل أحادي في حقل الرميلة النفطي المشترك بين الدولتين.

3-ترسيم الحدود: الخلاف على الحدود بين الدولتين الجارتين حاصل منذ ثلاثينيات القرن الماضي وأطل برأسه في السبعينيات، وتفجر هذا الخلاف عندما طالب العراق قبيل الغزو بجزيرتي (بوبيان ووربة) الخاضعتان للكويت. ونتيجة لهذه الأسباب وغيرها حدث الاجتياح العراقي للكويت في الثاني من أغسطس 1990م.

 

نتائج الحرب: استمرت حرب الخليج الثانية من 7 أغسطس 1990 إلى 28 فبراير 1991 كانت نتائجها كارثية بامتياز على كل المشاركين فيها، وعلى المنطقة ككل وأهمها:

1-نتائج اقتصادية: تم تدمير البنية التحتية الكويتية بسبب الاجتياح وحرق معظم آبار النفط الكويتية وملحقاتها [3]، أما العراق فقد فرضت عليه عقوبات اقتصادية خانقة أدت لتدمير الاقتصاد العراقي وبنيته التحتية بشكل شبه كامل.

2-نتائج عسكرية: تدمير منظومة الجيش العراقي بشكل شبه كامل حيث خسر قرابة 100ألف من عناصره ما بين قتيل وأسير والكثير من العتاد العسكري، ووقوع ضحايا في صفوف القوات المشاركة في التحالف.

3-نتائج سياسية: تم فرض عزلة دولية كاملة على العراق، وشجعت هذه الحرب على قيام إقليم حكم ذاتي شمال العراق.

4-نتائج صحية: نتيجة العقوبات المفروضة على العراق أدى ذلك لانهيار المنظومة الصحية في البلاد.

يظهر للباحث في حرب الخليج الثانية أنها كانت عبارة عن حرب عبثية والسمة الغالبة عليها هي خسارة كل الأطراف فيها فلم يوجد فيها منتصر، وأسمى تجليات هذه العبثية هي قام الحرب بين دولتين جارتين شقيقتين ترتبط شعوبهما بأواصر قربى، وساهمت هذه الحرب بشق الصف العربي ككل نتيجة اصطفاف بعض الدول لجانب العراق واصطفاف دول أخرى بجانب الكويت، وزرعت أكبر قواعد للجيش الأمريكي خارج الولايات المتحدة في منطقة الخليج، وكانت هذه الحرب هي المقدمة لحرب الخليج الثالثة التي دمر فيها العراق على كل الصعد بشكل كامل ووقوعه تحت الاحتلال، وما زلنا إلى هذا اليوم نشاهد التداعيات السلبية الناتجة عن تلك الحرب.

 

 

[1] علي محافظة. 2012،حروب الخليج في مذكرات الساسة والعسكريين الغربيين، بيروت، المؤسسة العربية للدراسات والنشر.

 

[2]بيير سالنجر وإريك لوران.1991، المفكرة المخفية لحرب الخليج، بيروت، شركة المطبوعات للتوزيع والنشر.

 

[3] عبد الله الكندري.1992، البيئة والتنمية المستديمة، الكويت، مكتبة المهند.

التعليقات مغلقة.