الحداثة في العالم العربي…. تركة الماضي وضبابية المستقبل

0

بالنظر إلى واقع العالم العربي حالياً فإنه يعيش في دائرة من التأخر الاقتصادي والسياسي والاجتماعي إلى جانب التأخر الثقافي، وتختلف الأفكار حول أسباب هذا التأخر، فهناك من ينظر إلى أن العرب نفسهم هم المسؤولون عنه، وهناك من يقول أن العالم الغربي هو من يتحمل المسؤولية، وقد تداخلت الآراء وتصاعدت في توجيه الاتهامات فيما بين الاتجاهين، خاصةً في ظل العولمة الاقتصادية ومخلفاتها الثقافية والمجتمعية وتأثيراتها على الواقع السياسي وطبيعة المنظومة السلطوية وشكل الدولة المعروفة في العالم العربي، حيث أن العالم العربي منقسم في أشكال السلطة ما بين نموذجين، الأول هو النموذج الوراثي والنموذج الثاني هو سيطرة العسكر على السلطة وهيمنتهم عليها لسنوات طويلة، إلا أن الواقع يقول أن الأسباب متداخلة ما بين العوامل الداخلية والخارجية، لكن ما يجعل العالم العربي متأخراً في دخوله إلى بوتقة الحداثة هو استبداد السلطات الحاكمة العربية وهيمنة الجانب الديني على التراث العربي وهما السببان الرئيسيان في عدم دخول العالم العربي ضمن مجالات ونطاقات الحداثة، إلى جانب إخفاق مشاريع التحديث التي انطلقت في بعض البلدان العربية والتي ما تزال مرتبطة بتوجه النخب السياسية التي شكَّلت واحدةً من المعوقات، ويعود التأخر إلى العديد من المعوقات التاريخية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية، حيث تشكلت بنية العالم العربي المعاصر من خلال ثلاثة مراحل، المرحلة الأولى وهي المرحلة العثمانية، والمرحلة الثانية مرحلة الاستعمار الغربي، والمرحلة الثالثة هي مرحلة الاستقلال، وكل مرحلة من تلك المراحل خصائصها وآثارها التي تركتها على العالم العربي، حيث أن المرحلة العثمانية زاد تفكك المجتمع العربي وانقسم إلى مشيخات وإقطاعيات، بسبب السياسة التي اتبعها العثمانيون أواخر حكم الدولة العثمانية، حيث فرضت التشكيلات الاقتصادية الاجتماعية واقعاً مغايراً عمّا كان عليه سابقاً، فقد كانت تشكيلات المجتمع مختلطة تتنوع ما بين الإقطاع العسكري والملاكون العقاريون وكبار التجار وشيوخ القبائل الذين تميزوا باتجاههم نحو الرأسمالية الأوروبية الحديثة، وعندما جاء الاستعمار حافظ على مخلفات المرحلة السابقة، وظل نظام الملل هو السائد، وظلت الأسر الحاكمة السابقة، وبقي النظام شبه الإقطاعي موجوداً، وغذّاه الاستعمار بهدف كسب هذه الطبقة إلى جانبه، لكن فترة الاستعمار كانت قد ساهمت في زيادة دور الفئة التجارية الوسيطة والمصرفية، وذلك بسبب انتشار تصدير البضائع من البلاد العربية باتجاه الدول الغربية، والذي كان مساهماً في اتساع العمليات المصرفية، إلى جانب أن البرجوازية الصغيرة انتعشت واتسع نطاقها بسبب نشوء المدن الجديدة.

أما المرحلة التي أعقبت الاستقلال أدت إلى تسريع الانتقال من صيغة الانتداب إلى منح الاستقلال الوطني بالتدرج، وهو ما أنتج عن الاستقلال الوطني، الذي ارتبط باتفاقيات ومعاهدات ثنائية تستند على الشراكة الرسمية المتبادلة، وخلال هذه المرحلة ساعدت التطورات الدولية وتصاعد حركات التحرر الوطني على تعزيز مكانة السلطات الوطنية، لكن أصبحت الدولة أكثر تدخلاً في الحياة الاقتصادية، وتعمقت هذه الاتجاهات بعد وصول قوى راديكالية إلى السلطة عن طريق الانقلابات العسكرية، وأصبح المجال مفتوحاً أمام طبقة البرجوازية الجديدة للتسلق على السلطة وأخذ مكتسبات حافظت على بقاء النظام الاقتصادي القديم الذي ما يزال حتى يومنا هذا مرتبطاً بالعديد من الاتفاقيات على مصلحة دخول العالم العربي في مرحلة الحداثة العالمية.

التعليقات مغلقة.