مقولة الألفاظ أعجمية الأصل في القرآن الكريم

0

القرآن الكريم نزل بلسان قوم النبي محمد أي قرآناً عربياً، فكيف يتم التوفيق بين ذلك وبين من يدعون أن في القرآن ألفاظاً أعجمية؟

القرآن الكريم عربي كما جاء بكثير من الآيات ونزل على الرسول العربي محمد عليه الصلاة والسلام، وإشكالية وجود ألفاظ أعجمية فيه هو أمر متداول من الكثير، وانجرَّ خلف هذا الادعاء الكثير من الناس وحتى المتفقهين لغوياً، فما سبب هذا الادعاء؟ هذا الادعاء تم التقاطه من فريقين: الأول هم ذوي النيات الحسنة والثاني من الخصوم الذين أرادوا الطعن في القرآن الكريم، فالذين قالوا بهذا القول استندوا على قول ابن عباس رضي الله عنه، حيث قال عن بعض الألفاظ في القرآن الكريم أنها من السريانية أو الحبشية، لكن الرواية في هذه المسألة لم تتحقق كما تم التحقق من الروايات عن النبي عليه الصلاة والسلام، و حتى لو قالها ابن عباس رضي الله عنه تبقى مجرد رأي ظني، وبتحقيق الطبري يقول أن ابن عباس لم يقل أنها أعجمية بالمعنى الحرفي للكلمة بل متوافقة مع لغات الأمم الأخرى.

هناك محاكاة منطقية تختص بقِدم اللغة العربية، وفي الأثر الإسلامي الذي وصلنا إنّ لغة أهل الجنة هي العربية، وتكلم بها آدم عليه السلام فهذا يدلّل على أنها من أقدم اللغات، وكما قيل عن مجمع اللغة العربية، بأنّ اللغة العربية أقدم من اللغة الأكادية صوتاً ونحواً، وهذا التاريخ يتمثل بألف وخمسمئة سنة قبل الميلاد. ويجب على الذين يخوضون بعلوم اللغات أن يكونوا باحثين متمرسين في مجال اللسانيات، ولديهم القدرة على المقارنة بين الألفاظ في اللغات المتعددة، وأصبح علم اللغات علماً مستقلاً بذاته حديثاً.

فيما يخص تدوين اللغة العربية، فاللغة العربية سبقت تدوينها، واللغة العربية اشتهرت بكثرة المرادفات ودقة اللفظ وكثرة المعاني، وساعدت هذه البلاغة فيها على تقليل أحرفها، فهي ذات حروف قليلة إذا ما قورنت بالصينية التي تزيد عن ثلاثمئة حرف، وفي تدوينها استفادت اللغة العربية من النبطية كثيراً، ويميل الكثير من نحاة التاريخ وحتى التوراة للقول أن الأنباط هم قبائل عربية، وجاء القرآن الكريم حيث مزج كل لهجات العرب لتكون عندنا الآن العربية الفصحى، مع ملاحظة أن الاختلاف بين لهجات العرب كان طفيفاً، بحيث تستطيع كل قبيلة فهم لهجة القبائل الأخرى دون أية مشاكل.

عند الانتقال لما يسمى ألفاظاً غير عربية ك استبرق و سجِّيل وجهنم ، فإذا ما عدنا إلى الرواية التي تقول  عن كلمة استبرق أنها فارسية فيجب علينا قطع الشك باليقين والذهاب لمعاجم اللغة الفارسية ونبحث عن الكلمات فنلاحظ أن النحويين الفرس قد وضعوا في أشهر المعاجم حرف العين أمام كل كلمة من أصل عربي ومنها الكلمات السابقة المختلف عليها، كما أن النقل الخاطئ عن بعض الفقهاء الذين أوردوا آرائهم المغلوطة بحسن نية زاد من المشكلة، فاللغة العربية قديمة ومعبرة، والنبي الكريم أكّد أن القرآن الكريم عربي، وأول كلمة نزلت في القرآن كانت ” اقرأ” وفهمها الرسول الكريم عن جبريل وقال ما أنا بقارئ، وهذا يدحض مقولة أن كلمة قرآن قادمة من السريانية.

في التراث الإسلامي معروف أن الرسول عليه الصلاة والسلام عندما جاء بالقرآن الكريم، كانت قريش والعرب كلها تفهم كل ما ورد فيه من مفردات، فهل هناك في زمن الرسول أو الزمن الذي بعده ردود على الطرح المتمثل بأعجمية بعض الألفاظ الواردة في القرآن؟ لو علم الذين لم يؤمنوا من قريش أن في القرآن الكريم كلمات أعجمية لأعابوا الرسول والكتاب ووضعوا الرسول في موقف محرج، وبالنسبة لمقولة أن هناك ألفاظ أعجمية في القرآن، فقد ظهرت هذه المقولة نتيجة تتبع بعض الفلتات من كلمات السابقين، وعند وصولها للإمام الشافعي ومن بعده الطبري اعتذروا عن ابن عباس، وبعد أن غربل الروايات وصفّاها أوضح الإمام الشافعي بما لا يدع مجلاً للشك أن ابن عباس كان يقصد أن هذه اللفظة تتوافق لحناً ونطقاً مع ما جاء في لغة أعجمية ما كلغة الأحباش، وحتى اللغة الحبشية تأثرت كثيراً بالعربية وأخذت عنها وهذا هو كلام العديد من المستشرقين المختصين باللغة الحبشية.

وعظمة اللغة العربية لفظاً ونحواً ليست مثار شك فقد تحدى القرآن الكريم في آية صريحة ان يأتي العرب بسورة من مثله، فلو كان القرآن يحتوي ألفاظاً أعجمية لبَطُل التحدي، ولكان المشركين احتجوا أنّ هذا القرآن جاء بغير العربية لغتهم التي يعرفون، فلا بد أن يكون القرآن الكريم محض من لسان العرب، وحتى هذه الادعاءات المشبوهة لم تأتي عبر أساليب الرواية المحققة التي اعتدنا عليها عند علماء الحديث الذين أوصلوا إلينا صفوة ما قال الرسول الكريم، وما دون ذلك  ككلام هؤلاء فهو روايات تاريخية و لسنا مسؤولين كمسلمين عن دحض تلك الروايات كلما تم تناقلها. إنّ إثارة هذه المسألة عن الألفاظ الأعجمية في القرآن الكريم له أهداف وينتج عنه أيضاً مخاطر وخصوصاً في موضوع المستشرقين، فنحن كمسلمين مؤمنون أنّ القرآن عربياً اما المستشرقون فقد التقطوا_ بسوء نية_ كلام الإمام السيوطي عن تعريب بعض الكلمات الأعجمية عن طريق تداولها بين العرب، ثم أخذوا يتكلفون تكلفاً في هذا الموضوع بقصد الطعن، شأنه كشأن فرية الإيجاز والأخطاء النحوية والتي افتروها على القرآن الكريم.

إن علم اللغات الذي يشهد بقِدم اللغة العربية ووسعها هو الرد الأفضل الذي يدحض كلام المستشرقين المضمرين الطعن بالقرآن، فطلب الدلائل منهم على أن الكلمات التي يستشهدون بها ويقولون انها غير عربية، يتمثل في طلب الإثبات منهم على أنها من تلك اللغات التي يدَّعون وليست العربية.

التعليقات مغلقة.