مسلسل الكاتب 2019

15

آسف لأني كنت؛ فصرتِ

هذ العبارة قيلت في آخر حلقة من مسلسل الكاتب العربي المشترك عن كاتب القصص البوليسية بطل العمل يونس جبران.
مشاهد المسلسل تماماً كتلك التي نقرأها في مؤلفات كاتبة الرواية البوليسية العالمية أجاثا كريستي، لكنها مشاهد روائية مرئية عوضاً عن كونها مقروءة.
سيناريوهات المسلسل وحواراته تروق للمشاهد، لكن تعتريها لقطات أشبه بفيلم كرتوني مخرج بلامبالاه؛ لعلم المنتج أن الطفل لن يكترث إلى واقعية هذه التفاصيل من عدمها!

المسلسل يحكي قصة مؤلف روايات بوليسية ذو شهرة عالمية، دائما ما يتم نشر الشائعات عنه بغرض تشويه سمعته والطعن في مسيرته وأمانته المهنية، كان قد اعتاد الأمر لتكراره، وهو أبسط ضرائب النجاح والشهرة، بقي وهذا حاله إلى أن وصل إلى مرحلة مفصلية يصعب معها تجاهل ما يحدث، حيث تم اتهامه بجريمة قتل، ما دفعه إلى مراقبة تطور تلك الشائعات المتسلسلة والأقرب إلى أن تكون مدروسة عن كونها عشوائية، الأمر الذي أثار مخاوفه كمُستهدَف، وأثار شكوكه كصاحب تفكير بوليسي (دقة ملاحظة، تحليل، تحقيق، دمج المشاهد المتبعثرة عن طريق تفسير التصرفات المبهمة)، كما أثار إعجابه ذكاء المجرم بعدم تركه أي آثار في مشهد الجريمة.

تجري أحداث المسلسل كلها لغرضين، الأول هو البحث القاتل الحقيقي، والثاني هو إثبات براءة المتهم يونس جبران.
تتطوع محامية من مدمني قراءة كتب يونس جبران للدفاع عنه وعن اسمه الذي _برأيها _ يجب أن يخلد، وألا تؤثر عليه أي اتهامات مغرضة تضر بشخصه أو بأعماله الأسطورية، تتطوع لخدمته وكلها يقين أنه ليس المجرم، ومبررها أنها تعرفه جيداً حتى لو لمجرد قراءة كتبه، فهي كافية لفهم شخصيته وأفكاره.


اتضح فيما بعد أن هذه المحامية المتطوعة هي شخص لديه اضطرابات نفسية، وإلى جانب اضطراباته تأثر بقراءة هذه الكتب تأثراً مخيفاً، أثر على التفكير والعاطفة والسلوك على حد سواء، فعلى الصعيد الفكري أصابها هوس وفرط تفكير بالمؤلف وبمؤلفاته، أما على الصعيد العاطفي فقد أحبت يونس جبران حباً حقيقياً، كما أحبت شخصيات رواياتهِ، لاسيما المحقق، وأخيراً على الصعيد السلوكي، فإن تلك الروايات حولت المحامية إلى مجرمة حقيقية!


في تلك الأثناء، كان يونس جبران في خضم تلك الأحداث يكتب كل ما يحدث معه ويعايشه كرواية، وأرادها أن تكون روايته الأخيرة.
عندما عجز التحقيق الأمني عن كشف هوية المجرم، وعجزت قوانين الجريمة والعقاب عن ردعه، حيث استمر في سلسلة قتل راح ضحيتها أربعة أشخاص، تدخل يونس جبران في سبيل الكشف عن القاتل مستعيناً بخبرات بطل رواياته _المحقق _ فكشفه بالفعل.


بعد التعرف على المجرم الحقيقي انتشر الخبر وعرفه كل متابع للحدث، وعلى الرغم من ذلك فإن يونس جبران الذي كان يكتب تلك الأحداث في روايته الأخيرة، لم يكشف هوية القاتل فيها، وبدلاً من ذلك نسبها إلى مجهول وأسماها “الجريمة الكاملة“.
علل تصرفه بحرصه على ألا يُخلد اسم المجرم الحقيقي في كتبه التي مازال سيطبع منها العديد من الطبعات، وسيتم نشرها مرات ومرات. (كانت لفتة إنسانية ومهنية لطيفه من قبل السيناريست)


احتوى العمل على رسائل غير صريحة، منها:
_تأثير القراءة الواعي واللاواعي على القارئ.
_للشهرة ثمن لابد أن يدفع.
_كل شهرة قد تكون سبب في تحفيز الأنانية وجنون العظمة لدى صاحبها.

في حفل توقيع يونس جبران لآخر أعماله “الجريمة الكاملة” اعترف لنفسه بأنانيته، وراح يحاول تفادي الأمر مع من مازال لديهم فرصة لتطوير مواهبهم، فشهر بأسمائهم مع ذكر ما يملكون من موهبة أمام الحضور في الحفل، كتعبير عن أسفه وندمه.

بعد انتهاء الحفل قال للمجرمة التي صنعتها رواياته:
آسف لأني كنت؛ فصرتِ!

فهل كانت تلك لعنات الكتابة؟!
أم كان ذلك ثمن الشهرة؟!

التعليقات مغلقة.