فوبيا الطيران

23

يشترك البشر بكافة أطيافهم وأجناسهم بالخوف من المجهول فالإنسان بفطرته عدو ما يجهل وهذا الخوف يشمل جميع نواحي الحياة، ويتجلى هذا الخوف بنسبة كبيرة عندما يتعلق الأمر بالطيران، حيث تقول الاحصائيات أن ما يقارب 33 إلى 40% من البشر يخافون من الطائرات والسفر عليها.

علاج فوبيا الطيران

أنا لست طبيب لأصف للقارئ علاج عضوي لهذه الفوبيا، ولكن من خلال عملي كطيار مدني  سأحاول هنا سرد بعض إجراءات السلامة المتبعة بمجال الطيران ولعل ذلك يساعد على طمأنة القارئ في رحلته القادمة.

عندما كنت صغيراً بعمر الأربع أعوام حصلت على دراجتي الأولى وقد قام والدي -جزاه الله عنّي كل خير- بتركيب عجلتين صغيرتين اضافيتين في الخلف لأحافظ على توازني وأحمي نفسي من السقوط، ولكن بعد شهرٍ تقريباً استغنيت عن تلك العجلتين وصرت أتباهى بمهاراتي بقيادة الدراجة بشوارع القرية، وأعتقد أن هذا الخوف أصابنا جميعاً عند قيادة الدراجة أو السيارة لأول مرة.

يختلف الأمر قليلاً بحالة الطائرة لأن المسافر لا يستطيع قيادتها أولاً، وثانياً لأنه لا يمكنه رؤية قائد الطائرة ولا رؤية ما حوله من جميع الجهات كما هي الحال في أي وسيلة نقل أخرى خاصة أنه معلق بالهواء وليس على اليابسة، بالإضافة الى ذلك فإن للبرامج الوثائقية عن كوارث الطيران أثرٌ سلبيٌ في نفوس المشاهدين.

وبالمقابل فإن الجميع سمع بمقولة أن السفر بالطائرة يعتبر من أكثر وسائل النقل أمناً، وهي مقولة صحيحة ومدعومة بكثير من الاحصاءات التي من السهل الاطلاع عليها على شبكة الانترنت.

لكن السؤال الذي لعله تبادر بذهن القارئ عما هو مصدر هذا الأمان؟

لنبدأ أولاً بالتجهيزات الأرضية بداية من إعطاء تصريح للمطارات بتسيير الرحلات الجوية للمسافرين وحركة الشحن حيث يتم ذلك عبر منظمة الطيران المدني العالمي وبالتالي فإن جميع مطارات العالم يجب أن تحظى بمواصفات سلامة وأمان معينة ومثال على ذلك فوج إطفاء مختص ومجهز بأفضل التقنيات لاحتواء أي طارئ، حيث بإمكانه مثلاً رش المدرج برغوة تسمح للطائرة بالهبوط بحالة فشل هبوط العجلات بدون ان يتسبب ذلك باشتعال النيران نتيجة للاحتكاك.

ثم يأتي بعد ذلك الجنود المجهولون خلف الكواليس وهم طواقم الصيانة ومهندسي الطيران الذين يجرون فحصاً كاملاً لأجهزة وأنظمة الطائرة والقطع المتحركة للطائرة قبل إقلاعها، ثم قبل الإقلاع بحوالي النصف ساعة وأثناء تحميل الأمتعة وصعود الركاب يقوم كابتن الطائرة بجولة ثانية حول الطائرة للتأكد من سلامة بدن الطائرة وأجزائها بحال تم إغفال شيء من قبل عناصر الصيانة.

هذه الطواقم تكون على مستوى عالٍ من التدريب على سيناريوهات مختلفة ويخضعون دائماً لاختبارات ودورات جديدة على أحدث التقنيات.

الآن ننتقل إلى المبنى الأهم والأكثر حساسية في المطار ألا وهو برج المراقبة، هو عين الطيار الثالثة وضابط حركة المرور في السماء حتى طائرة رئيس أقوى بلد في العالم يجب أن تتبع أوامر وتعليمات برج المراقبة، فهو يحافظ على مسافة الأمان الأفقية والعامودية بين الطائرات، ويحافظ على تواصل دائم مع جميع الطائرات المتواجدة ضمن قطاع عمله وله الصلاحية بطلب الدعم من سلاح الجو لاعتراض أي طائرة تخالف التعليمات، ويقوم بتوفير كافة المعلومات اللازمة لقائد الطائرة عن الظروف الجوية المحيطة به وحركة الملاحة على طول خط الطيران ولطواقم برج المراقبة الفضل الكبير بمنع حدوث كوارث جوية بفضل سرعة البديهة والتدريب العالي الذي يحصلون عليه.

أما الطائرة بعينها فهي تعتبر من أعظم الإنجازات الهندسية في القرن الأخير حيث مرت صناعة الطائرات بتجارب وانتكاسات كثيرة قبل الخروج بهذا الإنجاز العظيم.

فبعد صناعة النموذج الأولي لأي طائرة، يخضع لمئات الاختبارات على مدى سنوات قبل حصول الشركة المصنعة على تصريح بتصنيع هذه الطائرة. حيث يتم التحليق بهذه الطائرة بكافة الظروف الجوية وعلى كافة الارتفاعات ويتم تجربتها بكافة السيناريوهات المحتملة كالإقلاع او الهبوط بالوزن الأقصى والإقلاع أو الهبوط على مدرج قصير جداً او مدرج ترابي، ثم يقوم المهندسون بجمع كافة البيانات وتحليلها وربما التعديل على الطائرة ذاتها لغاية الوصول الى أفضل نسخة من ناحية الأمان والراحة والتوفير الاقتصادي. قبل عدة أعوام مثلاً قامت احدى الشركات المصنعة بتجربة أحد نماذج الطائرات بالتحليق حول العالم لمسافة 43 ألف كم ولمدة ثلاث أسابيع.

هل تظن عزيزي القارئ أن الأمر انتهى هنا؟ يسعدني أن أخبرك أنه حتى بعد الحصول على التصريح ببناء الطائرة ونزولها للأسواق، تقوم الشركة المصنعة بتجربة كل طائرة على حدا وإجراء عدة اختبارات قبل تسليمها للزبون.

وكما هو الحال في صناعة السيارات والحافلات والقطارات، كذلك هي الطائرات تحتوي بداخلها على عدة وسائل حماية وأمان.

تحتوي الطائرات الحديثة في الوقت الحاضر على ما يعادل عشرة آلاف مستشعر موزعة على كامل بدن الطائرة تجمع البيانات طول فترة الرحلة وتقوم حواسيب الطائرة بتحليل هذه البيانات وعرضها على شاشة أمام الطيار الذي بدوره يراقب هذه المعطيات حتى الهبوط بسلام وهذا عكس ما يظن الجميع أن الطيارين يمضون وقتهم بالتقاط الصور أو التمتع بالمشهد خلف النافذة، وعلاوةً على ذلك فكل نظام في الطائرة يوجد له بديلين أو ثلاثة بحيث يكون من شبه المستحيل ان تتعطل البدائل الثلاثة جميعاً فعلى سبيل المثال إذا تعطل نظام رفع او إنزال العجلات أوتوماتيكياً فإنه بالإمكان رفعها يدوياً.

لو فقدت الطائرة احدى محركاتها، يمكنها متابعة الرحلة بشكل آمن وطبيعي او تتجه لأقرب مطار للهبوط، والشيء بالشيء يذكر فإنه على طول خط سير الرحلة يجب أن تكون الطائرة على مسافة معينة من أقرب مطار لتتمكن من الهبوط فيه اضطراريا. والجدير بالذكر هنا على سبيل المثال لا الحصر يمكن لطائرة ما فقدت كل محركاتها على ارتفاع 38 ألف قدم ان تحلق لمسافة 300 كم باعتمادها على الأجنحة التي تحملها في الهواء كالطائرات الورقية التي لعبنا بها أيام الطفولة.

فوبيا الطيران وهم غير حقيقي

ختاماً ونتيجة لتكامل وتعاون كافة العناصر التي ذكرتها كطواقم الصيانة والمهندسين وبرج المراقبة والطيارين والتقنيات والأجهزة الحديثة، تعتبر الطائرة من وسائل النقل الآمنة جداً ولا يجدر بالمسافر أن يشعر بأي قلق كان ويجب أن يعلم أن هناك فريقاً كاملاً من التقنيين والمهندسين أشرف ويشرف على طائرته حتى لحظة وقوف الطائرة على البوابة واطفاء المحركات.

التعليقات مغلقة.