ديمومة الخراب…. جِلدٌ يخلع أظافره

0

سابقًا، في فتراتِ سجني الثلاثِ، على اختلافِ أزمنتها وأمكنتها؛ مُنِحتُ أكثرَ من مرضٍ، بعضُها تعافيتُ منه، ومنها ما زال حتى هذه اللحظةِ الراهنةِ، لكنني تعايشتُ مع الألم. طبعًا، كلُّ هذا بعيدٌ عن الهلاكِ النفسيِّ!

أمْس، ليلًا، غَزتْني هجمةُ آلامٍ جحيميّة انصبَّتْ في عموديَ الفِقْريِّ، أعيَتْني عن الحركة، وهذا نِتاجُ مرضٍ قديم تتجددُ آلامُه المَسعورةُ!

هُرِعتُ للمُسكّنات الموجودةِ لديّ، وأخرى أسعفني بها جيراني الطيّبون؛ واستسلمتُ للنّومِ بَعدَها.

صباح هذا اليوم، ذاتُ الآلام مع لفيفٍ آخر، كلُّها فاغرةً فمَها تنهَشُ بقايا جسدي الهزيلِ. أيُّ أدنى حركةٍ تُخَلّفُ ألمًا لا يُطاقُ، وحركتي باتت أشدَّ محدوديَّةً وألمًا!

أنهيتُ الاغتسال وطعامي المحصور، بمساعدة الأهلِ، وتحتَ ناظريَّ والدي الذي حاولتُ قدرَ الإمكانِ أنْ أهربَ بلَجْم آلامي بعيدًا عنه، والدي غيرُ القادر على النطقِ والحركةِ، لكنَّ عينَيْه تنفُذانِ إلى جُيوب قلبي!

حاولتُ أن أعتذرَ لِعَدم مقدرتي على الذهابِ للعمل، لكن الإدارةَ جلُّ همِّها أن يبقى العملُ مُستمرًّا!

بحثتُ عبثًا عن بديلٍ ينوبُ عني، مَنْ تَوَسَّمْتُ بهم تلبيتي مشغولون بأمورِهم الخاصّةِ؛ لذا كان لزامًا أن أحملَ بقايا جسدي المُتهالِكِ وآلامي وحاجَتَنا إلى الرغيفِ، وأذهبَ للعمل.

مَن مثلُنا لا يَسَعُه أن يتغيّبَ أكثرَ مِن يومٍ؛ نقتاتُ على العملِ اليوميِّ، نحيا على دفعاتٍ شحيحةٍ. دوامُ وجودِنا مَرهونٌ بإرضاءِ ابنِ الآلةِ، أبن حضارة الفولاذ!

سعيتُ بكلِّ ما أملكُ حتى ألجُمَ ألمي المسعورَ، وتبيانَ عافيتي أمامَ نظرات والدي الحبيسِ في فِراشه وحسراتِ والدتي التي يحفِرُ العجزُ قلبَها، وصمتَ الصِّغارِ الذين يَحُوطونني بأيديهم الصغيرةِ وقلوبِهم الكبيرةِ، الصّغارِ المُدرِكين للمَشْهد الذي لا يتغيَّرُ به إلا حجمُ الحِرمان!

آخذ عكازي التي ظننتُ أنّي لم أعد بحاجةٍ إليها، وأرُدد قولَ النوّاب، الثائرُ الصّادق، الذي حتّى برحيلهِ المُفجِع يَحمِلُنا بِكَلماته: “مُتعبٌ منّي ولا أقوى على حَمْلي”، وأدفعُ جثتي بدربِ الألم بلسانِ حالٍ كافرٍ بحياةٍ خاليةٍ من العدلِ واللّا إنسانيّةِ، حياةٍ خاويةٍ من العيشِ، خالية من الحياة!

هذه هي هِباتُ الحياةِ الصفيقةِ، اللّا مُتَّسمةِ بالاعتدال؛ ذاتِ الألمِ المُفرِط.

الحياةُ التي كلّما حاولْنا أن نَلِجَها؛ كانت تلوكُنا وتبصِقُنا، تخْلَعُ أظافِرَنا وتقصُّ أصابعَنا كُلَّما حاولْنا التشبُّثَ بإطارها!

الحبُّ والحريّة والأمل هي أسلحتُنا للمقاومة، مقاومةِ جحيمِ الشّرقِ، يبدو أنّها اسلحةٌ صَدِئَةٌ وقديمة في معركةٍ لا اعتدالَ فيها لموازينِ القُوى!

لا أدري لمَ الآن تطرُقُ جدرانَ دماغي عبارةٌ أحبها وأومن بها جدًّا، كنتُ قد ذكرتُها في روايتي “سرقوك منك”، والتي فحواها:

يا أبي،

قد كان لي أخوةٌ!

مَن سَمّمَ ثديَ أُمّي؟!

التعليقات مغلقة.