الوسواس القهري

38

ما هو الوسواس القهري

يعرف الوسواس   لغةً بأنه حديث النفس لصاحبها، وورد ذكر كلمة الوسواس بالقرآن على أنها اسم للشيطان، أما مفردة القهري فتعني الغلبة أو الإرغام.

الوسواس القهري

التعريف الاصطلاحي للوسواس القهري من منظور الطب النفسي: هو اضطراب نفسي عصابي، يصيب الإنسان بمراحل مختلفة من حياته، ويتميز بأنه يفرض على صاحبه التفكير بأفكار متكررة، أو فعل أفعال متكررة لا جدوى منها، مع معرفة الشخص أن ما يقوم به من أفعال، أو يفكر به من أفكار هي غير صحيحة وغير منطقية، لكنه لا يستطيع السيطرة عليها أو التحكم بها أو إيقافها، على عكس الإنسان السليم الذي يستطيع التحكم بها وعدم تكرارها، ويعرف في مصطلحات الطب النفسي على انه أفكار ودوافع أو صور ملحّة و متكررة، يعاني منها الانسان خلال الانزعاج بصورة تطفلية، وينتج عنها ضيق ملحوظ [1] .

أسباب الوسواس القهري

يعد  الوسواس القهري  واحد من عائلة الأمراض النفسية التي تصيب الانسان، وهو مثل بقية العائلة ليس له سبب واحد محدد، لكن عدة دراسات طبية ونفسية قالت يمكن أن نعزوه لثلاثة أسباب أساسية هي: حيوية وسلوكية ونفسية، وسنستعرضها بالتفصيل:

  1. عوامل حيوية:                                                                                                                           يمكن أن نجمل العوامل الحيوية المسببة للوسواس القهري بالتالي:
  • النواقل العصبية: أثبتت بعض الدراسات الاكلينيكية أن اضطراب مستوى السيروتونين في جسم الانسان يؤدي لظهور أعراض وسواس قهري على الشخص ويرشحه للإصابة بالوسواس القهري، والسير وتونين هو ناقل عصبي له دور مهم في عدة عمليات في الجسم كالنوم والشهية والمزاج، وهذا يفسر اضطراب النوم والسلوك الانفعالي لدى مرضى الوسواس القهري.
  • تصوير المخ مقطعيا: تتمثل بعض حالات الوسواس القهري بضعف تدفق الدماء والتغذية لأجزاء من المخ.
  • الوراثة: أثبتت العديد من الدراسات أن الشخص الذي يكون له أقارب من الدرجة الأولى مصابون بالوسواس القهري، أَنّ احتمال اصابته بنفس المرض [2] هي 35%.
  1. عوامل سلوكية:

عندما يتعرض الانسان لمجموعة من الضغوطات ولا يستطيع التعامل معها، فإنه يحاول ألا يقع فيها، وذلك عن طريق أفعال يقوم بها، أو أفكار ينسجها، ومع تكرار هذه الحالة يثبت المخ هذه الأفكار أو الأفعال في الجانب السلوكي للإنسان ومن ثم يسعى لتكرارها دائما إلى أن تصبح طقوس قهرية.

  1. العوامل النفسية:

بعض الشخصيات بالفطرة تكون وسواسية، ولكن لا يمكن أن نقول أن كل مريض وسواس قهري هو شخصية وسواسية، فقد بينت الدراسات أن من 15% إلى 30% من المرضى كانوا أصحاب شخصية وسواسية [3] .

أعراض الوسواس القهري

تختلف أعراض الوسواس القهري من مريض لآخر، وتتبع للعديد من العوامل منها درجة المرض من حيث هو متمكن أو بمراحله الأولى، وهل المريض يخضع للعلاج أم لا، لكن سنذكر هنا أكثر الأعراض شيوعاً [4] :

  1. الأعراض المتمثلة بالهوس بالنظافة الشخصية ونظافة المنزل ومكان العمل وغسيل اليدين بشكل مبالغ فيه والتكرار دون فائدة كتكرار ترتيب الأشياء وتكرار العادات بشكل مفرط
  2. الأعراض المتمثلة بحب المحافظة على الأشياء بإفراط وتخزينها بشكل مفرط حتى لو أصبحت تالفة
  3. الخوف والتردد من بالأعمال السهلة الروتينية كقيادة السيارة أو الذهاب للعمل
  4. الهوس بالصحة الجسدية والمداومة على الذهاب للأطباء ومعامل التحاليل الطبية
  5. المراجعة والتدقيق على كل عمل عدة مرات مهما بلغت بساطته، كالتأكد المتكرر من اغلاق الأبواب ليلاً، وإطفاء موقد الغاز، وجاهزية مطافئ الحريق.
  6. الخوف من الوقوع بالخطأ أياً كان، ومحاولة جعل كل شيء في المحيط يبدو صحيحاً.
  7. الارتياب من أي سلوك في يصدر من أي شخص مهما بدا عادياً.

وكما أسلفنا سابقاً، فإن أعراض هذا المرض كثيرة جداً وقال بعض المختصين أنه إلى الآن لم تكتشف كل الأعراض التي تظهر على المرضى لاختلافها من شخص لآخر ولعصوبة الإحاطة بكل المرضى، وخصوصاً مع اعتكاف الكثير من المرضى عن مراجعة الاختصاصيين لحساسية الوسواس القهري وخاصة اذا كانت الحالة من نوع الوسواس الجنسي أو الديني.

علاج الوسواس القهري

الوسواس القهري

يمكن أن نصنّف العلاج الخاص الوسواس القهري مجازاً تحت عنوانين كبيرين: الأول هو عبارة عن علاج سلوكي يمارسه المريض تجاه ذاته، وكذلك تمارسه الأسرة او الوسط الاجتماعي المحيط بالمريض تجاهه، أما الثاني فهو عبارة عن العلاج عن طريق الأدوية والعقاقير الكيميائية والتي أثبتت الدراسات النفسية الحديثة ترابطها مع مرض الوسواس القهري.

  1. العلاج السلوكي

يجب أن يتم إحاطة المريض بالعديد من الأفكار المقاومة لفكرة الوسواس القهري، والتي يمكن أن يطبقها بنفسه [5] ، نذكر منها:

  • أن يعلم المريض بالوسواس أن ما يعاني منه هو مجرد أفكار حمقاء لا أساس لها من الصحة، وأن القاصي والداني ممن حوله يشهدون له بذلك.
  • أن يتأكد مريض الوسواس القهري أن ما يمر به من أفكار هو عبارة عن أشياء كالأحلام تأتي مزعجة ثم تذهب بلا أثر.
  • أن يكرر مريض الوسواس على نفسه أن الله رحيم بالجميع في هذه الدنيا، وانه جعل الأسباب والطرق التي تؤدي للنجاة أكثر بكثير من التي تؤدي للهلاك.
  • أن يفكر المريض أن لكل من الصحة والسقم أسبابهما، وان عليه ألا يجزع لكل طارئ.
  • أن يبتعد عن الوحدة قدر الإمكان، فالوحدة تغلِّب النفس على صاحبها.
  • أن يحاول شغل نفسه بأي عمل صالح حتى لو لم يمكن ذو فائدة مادية ترجى، لكن الأعمال الصالحة ومساعدة الناس تعود على صاحبها بالطمأنينة.
  • أن يحاور من يثق بهم من الوسط الاجتماعي المحيط للعمل على الأخذ بحججهم المنطقية لتكذيب الأفكار الوسواسية التي تنتابه.

علاج الوسواس القهري

بعد ان يتعرف مريض الوسواس القهري على الأفكار التي تساعده على تخطي الحالة لوحده، فإن هنالك سلوكيات وأفكار يجب على من يحيطون بمريض الوسواس القهري من أسرة وأصدقاء ومختصين تبنيها لمساعدته [6] ، يمكن أن نذكر منها:

  • التشجيع والتحفيز المستمر لمريض الوسواس القهري وإخباره أن بإمكانه تجاوز ما يمر فيه.
  • حضّه على تحقيق أهداف وانجازات جديدة مهما صغر شأنها
  • مناقشة أفكارهم الوسواسية وتسفيهها والإقلال من خطورتها والإجابة على استفساراتهم وعدم الملل من تكرار الأحاديث معهم في نفس الموضوع.
  • إضفاء جو من المرح والمزاح على الجو العام المحيط بهم، فالكآبة إحدى مغذيات الوسواس القهري.
  • عدم انتقادهم بشكل فج ومباشر، لأن ما يراه الانسان العادي أنه أمر تافه، يراه مريض الوسواس القهري أنه أمر منطقي ومهم.
  • تجنب الدخول مع المريض في جدال، وعند عدم تقبل المريض لأي شيء منك توقف عن نصحه وحاول أن تلفت انتباهه أنك موجود دائما بجانبه ولمساعدته.

 

  1. العلاج عن طريق الأدوية والعقاقير

لم تعد الصحة النفسية في عصرنا الحالي مرتكزة على آراء وتخمينات فقط، بل أصبحت متمازجة مع الأجهزة الطبية الحديثة والتي ذكرناها آنفاً، كذلك شهدت تطوراً كبيرا في مجال العقاقير والأدوية المقاومة للأمراض النفسية بشكل عام وللوسواس القهري بشكل خاص، وفي بحثنا هنا سنتجنب ذكر أسماء أدوية او عقاقير طبية مقاومة للوسواس على الرغم من كثرتها، لكن لا نذكرها كي لا يلجئ لها أحد دون الرجوع للطبيب المختص أو أخذها بجرعات غير منطقية.

لكن الأهم والمغزى الذي نريد إيصاله من مقالنا هذا هو تشجيع كل شخص يشعر بأي اضطراب نفسي على مراجعة الطب المختص، وأن نبين له أن الاضطراب النفسي أصبح له أدوية وعلاجات صيدلانية كثيرة مثله مثل أي مرض عضوي، وأنّ هذه العقاقير أثبتت نجاعتها وفاعليتها وأغلب مستخدميها وصلوا لحالات الشفاء الكامل بفضل الله ثم بفضل تقدّم العلوم، وكذلك يمكن أن يشعر المريض برضا كامل عن هذه العقاقير، فهي في غالبيتها لا تسبب الإدمان وأعراضها الجانبية تكون في حدود المعقولية مثلها مثل الأدوية العضوية الأخرى، وقد تطرقنا لهذه الأدوية ومواصفاتها بإسهاب لأن الكثير من المرضى يرفضون زيارة الطبيب بسبب عرف سائد فحواه أن هذه الأدوية تسبب الإدمان، أو لها تأثيرات مخدِّرة أو عواقب وخيمة على الجسم.

 

الخاتمة

إن الاضطرابات النفسية هي أمراض عادية، وعلينا تشجيع أنفسنا ومن حولنا على زيارة المختص النفسي بشكل دوري، وإن الوسائل المستخدمة في العلاج النفسي تطورت تطوراً كبيراً سواء على صعيد الأجهزة التشخيصية أو الأدوية العلاجية، وأنه يجب علينا مراعاة التغيرات في سلوكياتنا، والأخذ بعين الاعتبار الأسباب التي لهذه الامراض والابتعاد عنها، وأنه عند تشخيص إصابة أي أحد بهذا المرض، يجب على المجتمع والأسرة دعمه بكافة السبل للوصول لحالة الشفاء.

وبعد المذكور سابقاً في البحث أرى أن الاضطرابات النفسية، والوسواس القهري كواحد من أكثر حالات شيوعها بشكل خاص، هي أمراضٌ عادية واعتيادية، كل مننا مرشح للإصابة بها وبأي مرحلة من مراحل حياة الإنسان، ابتداءً من الطفولة، وصولاً للكهولة وهذا ما أثبتته آخر الأبحاث العلمية. إن الوسواس القهري ليس جنوناً ولا يوجد به شيء يدعو للخجل، ومستغربٌ إلى الآن وجود نظرة مجتمعية شاذة تجاه الاضطرابات النفسية، فإذا ما تعمقنا بهذا الاختصاص نجد أن نسبة كبيرة مننا مصابة بهذا الاضطراب مع اختلاف في درجات التطور.

كلنا تقريبا يعرف أشخاصاً من الوسط المحيط فيه وربما من أفراد الأسرة نفسها لديهم هاجس النظافة أو هاجس الترتيب أو هاجس الصحَّة، وبما أننا عشنا جائحة كورونا، فنحن نعلم أو اضطلعنا من التقارير الإخبارية على أن نسبة كبيرة من المجتمع أصيبت بالوسواس القهري تجاه هذا المرض، وسلكنا سلوكيات متطورة من الوسوسة فذهبنا للمشافي لعمل الاختبارات اللازمة بشكل متكرر، ولم يقتنع البعض بالنتائج المخبرية التي تثبت سلامته وخلوه من المرض، وهذا المثال يعزز الفرضية التي تقول أنَّ لكل مننا وسواسه.

يجب علينا تعزيز ثقافة تقبّل الأمراض النفسية مثلها مثل أي مرض آخر، فمثلاً عندما يصاب أي انسان بمرض ارتفاع السكر في الدم، لن يشعر بالخجل لأن الغدة البنكرياسية لا تعمل عنده بشكل سليم، وهكذا أيضا الاضطرابات النفسية، فالطب الحديث يقول إنها قصور في عمل المخ _ ليس العقل_ في مرحلة من المراحل نتيجة التعرض لحادث نفسي أو مادي.

التعليقات مغلقة.