النقود…. تاريخ ظهورها وتطورها

1

مقدمة:

جميع الناس اليوم على وجه هذه المعمورة يحتاجون للنقود في حياتهم اليومية، فكلنا نحمل في جيوبنا فئات نقدية متعددة، منها معدنية ومنها ورقية، وأصبح لكل دولة عملة خاصة فيها، تحمل رسومات ورمزيات من تاريخها، وتعد العملة مظهر من مظاهر استقلالية الدولة، وانتشرت محلات الصرافة في كل الدول، فالزائر والسائح يحتاجون لتحويل نقود بلدهم لنقود البلد الذي يزورونه، وأصبح لمحلات الصرافة هذه قانون تخضع له يحدد القيمة التي على أساسها يتم التصريف.

الموظفون، الشركات، الضرائب، الخدمات …. إلخ حول العالم، كل هذه العمليات تتم عبر دفع النقود، وتدفع بشكل مباشر للمستفيد ” كاش” أو عن طريق الحسابات البنكية. النقود هي شاغلة الناس منذ أقدم العصور، فقد كانت سبباً مباشراً في اندلاع الحروب، كما أنها أطاحت بأنظمة حاكمة ونصَّبت أخرى وذلك بما يعرف ب ” ثورات الجوع”، ومن أهم تلك الثورات التي أساسها النقود في التاريخ الحديث هي الثورة الفرنسية، والتي قامت نتيجة الأوضاع الاقتصادية المتردية في البلاد إبان حكم أسرة “آل بوربون”، وبالضبط أيام الملك لويس السادس عشر، أما في التاريخ الحديث أصبحت النقود هي الغاية والوسيلة للأفراد والمجتمعات بشكل شبه كامل، بل قامت على أساسها مدارس فكرية كاملة تعدَّت الاقتصاد لتصل للسياسة والاجتماع، ومن أهمها: الاشتراكية والرأسمالية والشيوعية.

النقود من وجهة نظر الأديان:

اختلفت النظرة الدينية للنقود بين أتباع ديانة وديانة أخرى، فمن الرسالات الدينية من قام بتسفيل النقود ونزَّل من شأنها، فقد ذُكر وصفها في المسيحية بالكتاب المقدس كالتالي:” لَا يُمْكِنُ لأَحَدٍ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِسَيِّدَيْنِ: لأَنَّهُ إِمَّا أَنْ يُبْغِضَ أَحَدَهُمَا وَيُحِبَّ الآخَرَ، وَإِمَّا أَنْ يُلازِمَ أَحَدَهُمَا وَيَهْجُرَ الآخَرَ. لَا يُمْكِنُكُمْ أَنْ تَكُونُوا عَبِيداً لِلهِ وَالْمَالِ مَعاً”[1]، ومن المذكور سابقاً تظهر النظرة السيئة تجاه النقود، ودورها في إخضاع الإنسان، والنهي المباشر للمؤمن كي لا يتحول لعبد من عبيدها، أما النصوص اليهودية فقد أعلت شأن المال ودعت أتباعها للتزود به وكسبه، فجاء في التوراة:” والمملكة والسلطان وعظمة المملكة تحت كل السماء تعطى لشعب قديسي العلي ملكوته ملكوت أبدي وجميع السلاطين إياه يعبدون ويُطيعون”[2]. جاءت النظرة الإسلامية لتأخذ موقف الوسط من ناحية المال، فلا هي جعلته في درك حقير، ولا هي رفعته ليكون الغاية الأسمى في حياة الإنسان، فقال الله تعالى في القرآن الكريم:” الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا” الكهف: 46.

فيما يخص أصحاب الديانات الأرضية(الوضعية)، فقد ذهبت معظم تلك الديانات إلى تسفيه المال وخَفض شأنه، وحطت من قدره، فعلى سبيل المثال لا الحصر، تشترط البوذية على رجال دينها الرهبنة والزهد في كل حوائج الدنيا وأهمها المال، والذهاب لصوامع منعزلة والعبادة فيها، حتى أن رجال الدين فيها يُسمون” الرهبان”.

دواعي ظهور النقود:

منذ الخليقة الأولى للإنسان على الأرض، تجمع البشر مع أشباههم ليشكلوا مجتمعات متجانسة، هذا التجانس جعل المجتمع كاملاً يملك نفس الممتلكات، ولأن الإنسان متعدد الرغبات والاحتياجات، فقد ذهب للبحث عما ينقصه في المجتمعات الأخرى، وفي المجتمعات الأخرى كان هناك نواقص تحتاجها من هذا المجتمع أو ذاك، ومن هنا جاءت الحاجة لعملية ” المقايضة”، وهي العملية المعيارية التي سيتم على أساسها تبادل السلع بين المجتمعات. كانت المقايضة في المجتمعات البدائية القديمة تتخذ شكلاً بسيطاً، حيث يتم تبادل سلعة مقابل سلعة، دون أن يكون للنقود أي تواجد في تلك العمليات، كأن يتم مثلاً تبادل العسل مقابل جلد الحيوانات، ومع تطور المجتمع البشري تطورت الأساليب المعيارية في المقايضة، وفي أحد العصور الإغريقية كانت الماشية هي المعيار الذي على إثره تتم عملية التبادل[3] . يوماً بعد يوم أثبتت وسائل المقايضة هذه عدم نجاعتها، وخصوصاً إذا كانت السلعة المراد إحضارها بعيدة جغرافياً، فالسفر بالماشية ممكن أن يعرضها للهلاك، كما أن المجتمعات البعيدة كان لها معايير مقايضة أخرى كالصينيين الذين كانوا يستخدمون السكاكين والسيوف في المقايضة، ومن هنا بدت الحاجة ملحة لتوحيد معيار التبادل، ومن هنا تكونت النواة الأساسية لظهور فكرة المسكوكات والنقود.

النقود
عملات معدنية

تاريخ النقود ونشأتها:

تختلف الروايات التاريخية عن أول الأقوام والأماكن الذين استخدموا النقود المعدنية، لكن يجمع الكثير منهم على أن الليديين هم أول من استخدم النقود المعدنية ، والليديون( مملكة ليديا) هم أقوام عاشوا في الجنوب الغربي من القارة الآسيوية، وكانت عاصمتهم مدينة ساردس ( مدينة مانيسا في تركيا اليوم)، وقام أحد ملوكهم وذلك في القرن الثامن قبل الميلاد، بتقطيع تلك النقود وجعلها بشكل يتناسب مع حملها بصورة بسيطة ومواتية[4]، وكان هناك العديد من العوامل المنطقية التي جعلت المسكوكات النقدية تكون من معادن حصرية كالذهب والفضة، و تأخذ شكلها وهي:

  1. سهولة حملها والتوازن بين حجمها ووزنها.
  2. القابلية للطرق والصهر وإعادة التشكيل.
  3. قدرة مقاومة الظروف المناخية لمعدني الذهب والفضة، وديمومتهما أمام العوامل الطبيعية كالصدأ.
  4. ندرة معادن الذهب والفضة في الطبيعة مما جعلها معياراً مناسباً.

 

في البداية كان علم المسكوكات هو علم حديث النشأة، فلم تُرسم على النقود أية رسوم، ومع تطور هذه الصنعة، أصبح يرسم عليها وجوه الملوك والأمراء الذين يحكمون المدن والممالك، وظهرت صور الكثير من الأباطرة الرومان على النقود المعدنية، كما كان ينقش عليها النقوش الكتابية، وتُنقش أيضاً صور الحيوانات التي كانت ترمز لقصص أسطورية في ثقافات تلك الشعوب، ومن أبرز ما وصلنا من تلك النقود هي مسكوكات الرومان والبيزنطيين.

كيف تحولت النقود لشكلها الورقي؟

النقود
العملة والنقود الورقية

كان أول ظهور موثق للنقود بشكلها الورقي في بريطانيا في العام 1797م، وقد قامت بريطانيا وقتها بطباعة العملة فئة الجنيه الواحد والجنيهين، وكان المبرر الأساسي لها هو تطور التبادل التجاري حول العالم، والصعوبة في نقل كميات كبيرة من الذهب والفضة ومقايضتها حول العالم، كما أن عمليات السرقة والقرصنة التي يمكن أن تحدث للسفن التجارية حول العالم ساهمت بالانتقال للعملة الورقية، كما أن هناك رواية أخرى تقول أن أول ظهور  العملة الورقية  كان في الصين في نهايات القرن العاشر الميلادي[5]، وكانت العملة الورقية وقتها عبارة عن صكوك مكتوب فيها كم يملك هذا التاجر أو ذاك من ثروة في بلاده، وكل ذلك كان لتفادي حمل كميات كبيرة من النقود المعدنية.

الخاتمة:

كانت البشرية في أطوارها الأولى تعيش في حالة من البدائية في تعاملاتها، فعملت على مقايضة السلعة بالسلعة، وذلك بحسب حاجة المجتمعات للسلع التي لا تنتجها، فبادلت اللحم بالفاكهة، والجلود بالخشب، وكان تطور عملية المقايضة تلك نتيجة طبيعية ومنطقية لتطور المجتمعات وازدياد عدد السكان والانتقال للحياة الحضرية بشكلها المبسط، فوضعوا المواشي كمعيار للمقايضة، ومنهم من اعتمد الأواني المنزلية معيار لهذه العملية، ثم لبَّت البشرية حاجتها للمال فعملت المسكوكات وأصبحت صنعة لها حظوة لدى الملوك وأرباب المدن، فأصبح الذهب والفضة هما المعيار الأساسي لكل التعاملات التجارية.

مع دخول العصور الحديثة كانت مملكة بريطانيا سباقة لتحويل المسكوكات المعدنية إلى نقود ورقية، وانتشرت فيما بعد البنوك والمصارف حول العالم، وكانت ذروة انتشارها مصاحبة للثورة الصناعية التي حدثت في أوروبا والعالم في عشرينيات القرن الماضي، أما اليوم فقد أصبحت جل المعاملات النقدية تتم عن طريق التطبيقات في الهواتف الذكية، وهو أرقى شكل من أشكال التعاملات النقدية منذ الخليقة الأولى، ولربَّما بيومٍ ما تندثر العملات المعدنية والورقية بشكل كامل، وتصبح العملات الرقمية هي وسيلة التواصل النقدية حول العالم.

المراجع:

[1] إنجيل متى 6 :24.

[2] سفر دانيال، الإصحاح السابع، 72.

[3]  تاريخ النقود تأليف: فيكتور مورجان ترجمة: نور الدين خليل، الهيئة المصرية العامة للكتاب ،1993، ص13.

[4] إحسان العر، مجلة جامعة دمشق للعلوم والهندسة، المجلد 30، العدد الثاني، 2014، ص 173.

[5] محمد عبد الرحمن، من هي أول دولة أصدرت العملة الورقية في التاريخ.. الصين أم بريطانيا، 26 فبراير 2022، على الرابط: https://www.youm7.com/story/2022/2/26/%D9%85%D9%86-%D9%87%D9%89-%D8%A3%D9%88%D9%84-%D8%AF%D9%88%D9%84%D8%A9-%D8%A3%D8%B5%D8%AF%D8%B1%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%85%D9%84%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%88%D8%B1%D9%82%D9%8A%D8%A9-%D9%81%D9%89-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%A7%D8%B1%D9%8A%D8%AE-%D8%A7%D9%84%D8%B5%D9%8A%D9%86/5670527

التعليقات مغلقة.