النفط في قطر وتاريخه السياسي

46

كان لاكتشاف النفط  في قطر في النصف الأول من القرن الماضي تأثيرات كبيرة على المجتمع القطري حيث انتقلت فيه البلاد لعصر جديد، ورافق هذا الاكتشاف تداعيات سياسية واقتصادية كبيرة تمثلت بصراع المصالح بين الشركات النفطية وبريطانيا من جهة والقيادة القطرية من جهة أخرى، وتفرع هذا الصراع ليشمل ترسيم الحدود وقضية الحماية البريطانية لقطر. منذ بداية اكتشاف النفط في الخليج ضغطت الحكومة البريطانية على قيادات الخليج لاحتكار امتيازاته وحصلت على ذلك، وفيما يخص قطر فقد كانت معاهدة 1916م بين بريطانيا وحاكم قطر الشيخ عبد الله بن جاسم آل ثاني بمثابة تقييد لقطر حيث لا يمكنها بموجب المعاهدة منح أي امتياز مهما كانت صفته على أراضيها لأي جهة دون موافقة بريطانيا.

المحاولات الأولى للتنقيب عن النفط في قطر 1926_1935:

عند عقد مؤتمر “العقير” 1922م الخاص بامتيازات النفط، نبّه المقيم البريطاني “بيرسي كوكس” الملك عبد العزيز ابن سعود وشركة “هولمز” للتنقيب بعدم الاقتراب من شبه جزيرة قطر، ورسم خط حدودها مع الأحساء ووافق ابن سعود على ذلك.

في العام 1925 م اقتنعت بريطانيا بانه ليس هنالك مبررات لعدم السماح بالتنقيب عن النفط في قطر طالما ستكون العملية في يد الشركات البريطانية، على إثر ذلك تواصلت الشركة الأنجلو فارسية_ التي صارت تعرف فيما بعد باسم قطر للبترول_ مع الشيخ عبد الله بن جاسم وحصلت على إذن للتنقيب عن النفط في قطر.

في العام 1932 م شرعت الشركة البريطانية بالمسح الجيولوجي في الأراضي القطرية بحثا عن النفط، وبعدها بعام اتخذت خطوات لمفاوضة الشيخ خشية عدم حصولها على تجديد الامتياز مرة أخرى مع نهاية العقد المقرر في عام 1934 م. طالب الشيخ عبد الله بزيادة عائداته المالية من الشركة، وعند رفض طلبه أراد الشيخ منح شركة ” نفط كاليفورنيا” الامريكية امتيازات للتنقيب عن النفط وهذا ما مانعته بريطانيا وانتهت المسألة بتجديد عقد الشركة الانجلو فارسية مقابل حصول الشيخ على العائد المالي المطلوب.

معاهدة عام 1916م:

تعامل الشيخ مع مسألة اكتشاف النفط والتنقيب عنه من منظور سياسي أكثر منه اقتصادي وذلك ليكسب ضمان الاستقرار السياسي في قطر من الاخطار المحيطة بها، وفي شهر مارس عام 1935م حدثت مفاوضات مطوّلة بين الشيخ عبد الله و ممثلي الشركة، أعلنت على إثره الشركة بانها ستحصل على الامتياز، وقد حرصت بريطانيا منذ البداية على ربط موضوع الحماية الكاملة على قطر بحصول الشركة البريطانية على امتيازات النفط.

امتياز النفط 1935م وآثاره:

قبل أن يوقع الشيخ عبد الله على امتياز النفط، تبادا رسائل مع المقيم البريطاني في البحرين”فاول” وكانت هذه الرسائل هي الأساس لمعاهدة الحماية البريطانية الجديدة، وبعد انتهاء المفاوضات بما يخص معاهدة الحماية وقّع الشيخ عبد الله على عقد امتياز النفط للشركة الانجلو فارسي “أبوك” في 17 مايو من العام 1935م. ومن ثم قامت قطر باتفاقيات أخرى حلت محل الاتفاقيات القديمة المجحفة بحقها إلى ان وصلت لمرحلة المسؤولية الكاملة عن نفطها في أواسط السبعينيات من القرن الماضي، ويعد اكتشاف النفط اهم حدث في تاريخ قطر المعاصر.

من الجوانب السلبية لاكتشاف النفط في منطقة الخليج هو حدوث نزاعات بين الامارات العربية المتجاورة على ترسيم الحدود بينها، فأثار اكتشاف النفط في قطر مشكلة حدودية بين قطر وجارتيها (السعودية والبحرين). بدأت مشكلة الحدود مع السعودية في ثلاثينيات القرن الماضي عندما لدات شركة “أبوك” بالتنقيب بالقرب من منطقة الأحساء، وأرسل وقتها عبد العزيز ابن سعود رسالة احتجاج للشيخ عبد الله طالبه بإيقاف عمل الشركة ، وبقيت هذه المشكلة قائمة إلى ان تم حلها ودياً بين البلدين عام 1965 م.

أما المشكلة الحدودية مع البحرين فقد بدأت عندما طالبت البحرين بمجموعة جزر “حوار” والمضمّنة في خريطة الامتياز على انها أراضي قطرية ، وفي العام 1937م أثارت البحرين مشكلة حدودية أخرى وتتمثل بادعاءات تاريخية وعاطفية “بالزبارة” وتبادل على إثر ذلك الطرفين المفاوضات والمناوشات حتى أثبت المقيم البريطاني فيما بعد عدم احقية البحرين في ادعاءاتها فيما يخص الزبارة، وعقد اتفاقية موادعة بين شيخي قطر والبحرين ، وظلت المسألة قائمة إلى ان تخلت البحرين فيما بعد عن ادعاءاتها.

 

والجدير بالذكر أنه في صيف العام 1942 م أقرت السلطات البريطانية بإيقاف عمل الشركة النفطية بسبب تداعيات الحرب العالمية الثانية وقررت تدمير الآبار وقوبل هذا الطرح برفض كلي من الشيخ عبد الله بن جاسم، وتم حل هذه الإشكالية بأن تعهدت الشركة بالوفاء الكامل بالتزاماتها تجاه الشيخ، وبعدها تم توقيع اتفاقية التوقف عن التنقيب في 26 نوفمبر 1942م. وفي خريف العام 1945م وبعد أن وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها استأنفت الشركة نشاطها وتكللت عمليات التنقيب بالنجاح وخرجت أول شحنة نفطية من قطر للعالم في 28 ديسمبر 1949، وبعد هذا التاريخ هو بدية ظهور النفط في قطر بشكل عملي تجاري.

تطور العمليات وعقود الامتياز:

تأخر اكتشاف النفط في قطر، وفي العام 1947م جرت مفاوضات بين الشيخ عبد الله وشركتين أمريكيتين هما (التعدين المركزية) و (سوبيريور للنفط) للحصول على امتيازات التنقيب في المياه القطرية وحدث ذلك في 8 يونيو 1949بعد خلاف مطول مع شركة “أبوك” البريطانية. وفي العام 1952م منح الشيخ امتيازا لشركة هولندية عرفت باسم “قطر شل” للتنقيب بالمياه القطرية، وتوالى فيما بعد إعطاء الامتيازات لشركات بريطانية وفرنسية ويابانية، ولإدارة مصالح النفط المتنامية شكلت قطر عام 1962م إدارة لشؤون البترول والتي تحولت بعد الاستقلال عام 1971م إلى وزارة البترول.

النفط في قطر

لقد كانت عقود الامتياز الأولى التي منحتها امارات الخليج والسعودية للشركات قبل الحرب العالمية الثانية في صالح الشركات الاستغلالية بامتياز ومجحفة في حق تلك الامارات، وفي قطر وبعد الحرب العالمية الثانية ، وفي العام 1951م حصل الشيخ علي بن عبدالله آل ثاني الذي ورث أباه في الحكم على زيادة في رسوم الامتياز من شركة “أبوك” ، ثم عاد ودخل بمفاوضات مع الشركة إلى أن وصل إلى اتفاق ينص على المناصفة في الواردات وساعده على ذلك بدء تقلص النفوذ البريطاني في المنطقة بعد الحرب العالمية الثانية، وفي وقت لاحق أبدى الشيخ علي عدم قناعته بمبدأ المناصفة واستمرت قطر بالمفاوضات وإحكام قبضتها شيئا فشيئا على مواردها النفطية.

إن تناقض المصالح بين الشركات النفطية والحكومات لم يكن في قطر وحدها، بل شمل معظم الدول المنتجة للنفط، ومهدت هذه الخلافات لظهور منظمة الدول المصدرة للنفط في سبتمبر 1960م وبهذا انطوت صفحة صراع استمرت لمدة نصف قرن بين شركات النفط والحكومة البريطانية من جهة وبين حكام قطر من جهة أخرى، واستطاعت قطر التحكم في ثرواتها والمضي قدماً لبناء دولة حديثة، حيث أن النفط في قطر ومن ثم الغاز هما الرافد الأساسي للاقتصاد القطري.

التعليقات مغلقة.