الليبرالية والواقعية في العلاقات الدولية

122

الليبرالية والواقعية تاريخياً

قامت العلاقات الدولية منذ قدم البشرية، منذ تشكلت المجتمعات البشرية وتعددت، وظهرت إلى السطح مع قيام المدن التي يمكن أن نقول إنها كانت دول في وقتها كالمدن الفينيقية واليونانية والمصرية، مع ملاحظة أن القوة العسكرية هي الشكل الطاغي على العلاقات بين تلك الدول في تلك الحقبة، ثم تطورت لتأخذ شكل العلاقات الدبلوماسية والسفارات ولو بشكل بسيط لا يؤثر كثيراً كما الحال على أيام الامبراطورية الإسلامية التي تزامنت مع امبراطوريات أخرى كالصينية شرقاً والرومانية غرباً.

استمر منهج القوة بالسيطرة على العلاقات بين الدول، وخصوصاً في القارة العجوز التي حدثت فيها حروب طاحنة في العصور الوسطى والحديثة، كحرب الثلاثين عام، إلى أن جاءت اتفاقية ويتسفاليا 1648م، والتي مثلت الخطوة الأولى في طريق تنظيم العلاقات الدولية بمنهج بعيد عن منهج القوة.

لقد تطورت العلاقات الدولية وتحولت فيما بعد لعلم يدرّس، ولم يكن هذا التطور حاصل فقط لرغبة الدول لتحسين علاقاتها والتحول للشكل السلمي للعلاقات بعيداً عن القوة، بل كانت نتاجاً طبيعياً للتقدم العلمي الحاصل بالإضافة للاكتشافات الجغرافية، وصولاً للثورة الصناعية التي حدثت في العالم، وأصبح لزاماً على هذه الدول المحافظة على تلك المكتسبات.

الليبرالية والواقعية
الليبرالية والواقعية

مع تطور العلاقات الدولية وتحولها لعلم مستقل ظهر مصطلح ” النظرية” في العلاقات الدولية والذي يمكن أن نعرفها بأنها: قسم من دراسة العلاقات الدولية والتي تمنح إقرارات وصفیة وتفسيرية، حول الأنماط والانتظاميات والتغير في الخصائص البنيوية والعمليات والمراحل التي تشهده الأنساق الدولية ووحداتها الكبرى المكونة لھا .

ويرتكز وجود النظرية في العلاقات الدولية على العديد من العوامل وأهمها:

  1. المعلومات
  2. الأدوات
  3. طرق البحث
  4. الأهداف

ومع استقلالية علم العلاقات الدولية في بدايات القرن العشرين صاحب ذلك تطور في مدارس هذا العلم على اختلاف مشاربها والمنظرين فيها.

الليبرالية والواقعية

تأتي أهمية مقالنا هذا من حيث تسليطه الضوء على هذه المدارس، وسيكون هدفنا فيه التركيز على المدرسيتين الليبيرالية والواقعية.

المدرسة الليبرالية (المثالية)

تعريف الليبرالية

توجد العديد من التعريفات للنظرية الليبرالية، ويوجد الكثير من الباحثين الذين نظَّروا في الليبرالية، فيعرفها “جون بيلي” بأنها: ھي إیدیولوجیة سياسية تتبني حریة الفرد، و ھي نظرية في الحكم ترى ضرورة التوفيق بین العدالة والنظام وببن ضمان الحریة. أما ” ستيفن والتز” فيقول أنّ الليبرالية في جوهرها هي: طغيان النزعة التعاونية كحقيقة دولية یمكن بواسطتھا تغییر سياسات الدول العدائية.

ويمكن أن نعرف الليبرالية في العلاقات الدولية بأنها: مجموعة من الأفكار والنظريات التي تدور حول أھمیة الحریة في النظام السياسي وفي العلاقات الدولية. ظهرت بذور الليبيرالية في القرن التاسع عشر على شكل مشروع يدعو لإصلاح الأنظمة السياسية وتسيد لغة المنطق والحوار بين الدول، كما دعت لإصلاح الأنظمة السياسية والتحول من الملكية التقليدية الممسكة بزمام الأمور كافة إلى الملكية الدستورية، والتحول من النظام الاقطاعي الذي كان سائد في أوروبا في تلك الحقبة الزمنية.

اكتسبت هذه المدرسة أهميتها بسبب تأثيرها على صناع القرار في العالم الغربي في تلك الحقبة، كما كانت متواطئة مع المزاج السائد في تلك الفترة الزمنية، وأطلق عليها الأكاديميين في تلك الفترة بالمدرسة المثالية لشعورهم بأنها تلبي كافة المتطلبات التي تحتاجها المجتمعات. ترتكز النظرية الليبرالية على ثلاث أبعاد: أيديولوجي وسياسي ونظام الحكم، وهي المنافس الرئيسي للمدرسة الواقعية التي سنستعرضها لاحقاً. تنقسم النظرية الليبرالية لقسمين: الأول كلاسيكي والثاني حداثي او عالمي.

  1. الليبرالية الكلاسيكية

كانت هذه المدرسة سائدة منذ القرن التاسع عشر وحتى قبيل الحرب العالمية الأولى، ومن فرسان هذه المدرسة ” ايمانويل كانط” و “جيريمي بنثام” حيث قامت هذه بانتقاد الوضع الذي كان يقوم عليه العالم من حيث العنف والحروب ووصفته بالعالم الهمجي، ودعت الدول لانتهاج سياسة خارجية قائمة على التعاون والتشاور لوضع إطار يجنب العالم الحروب، ووضع اتفاقيات فدرالية تنفذها السياسة الخارجية للدول للوصول لميثاق دستوري عالمي يرسي السلام، وإنشاء محكمة قضائية عالمية لفض النزاعات ويتحاكم فيها المتخاصمون من الدول، كما دعت لتحرير التجارة بين دول العالم حيث ارتأت على أنه عامل يشكل اتحاد اقتصادي بين دول العالم ويمنع الحروب، والتوقف عن السياسات الخارجية العدائية للدول والعمل على إلغاء الجيوش تدريجياً.

  1. الليبرالية الجديدة (الحداثية أو العالمية)

هي امتداد للليبرالية الكلاسيكية، ترى بأن مصالح الدول وخياراتها هي المحدد الأساسي لسلوكها وسياساتها الخارجية، ومن رواد هذه النظرية “ميتشل دويل”، ومن أبرز توصيات هذه المدرسة فيما يخص العلاقات الدولية والسياسات الخاصة بالدول هي التحول نحو الديمقراطية فهي تعزز ثقافة السلم الدولي، وانتهاج سياسات خارجية مخطط لها ضد الدول غير الليبرالية والتي لم تتحول للديمقراطية كاملة، وذلك عبر عدة أساليب بعيدة عن الحرب أهمها اقتران المساعدات الاقتصادية لتلك الدول بالتحول الديمقراطي للحصول عليها.

الليبرالية والواقعية

بشكل عام يمكننا القول بأن المدرسة الليبرالية على اختلاف حقبها ومنظريها كانت توصياتها منصبة حول نبذ الحرب واحلال السلام العالمي والتحول نحو الديمقراطية وضمان حرية الفرد وعدم القيام بسلوكيات عدوانية من الدول بين بعضها للابتعاد عن الحروب.

المدرسة الواقعية

تعريف الواقعية

يمكن القول أنّ التعريفات الكثيرة للواقعية تستند على نفس العناصر عند معظم المعرفين لها، وبحسب “جوناثان هاسلام” هي مجموعة من الأفكار التي تدور حول المقترحات المركزية الأربعة السياسة الجماعية، الأنانية، الفوضى والقوة السياسية. ظهرت المدرسة الواقعية كردة فعل على المثالية التي أحدثت خللاً في العلاقات الدولية في ثلاثينيات القرن الماضي، حيث ترفض المدرسة الواقعية ادعاء المثالية بوجود تناغم بين مصالح الدول المختلفة، وأن الأمم تتضارب مصالحها مما يؤدي لنشوب الحروب . تؤكد هذه النظرية على أن الدول تسعى دائما لتعزيز قوتها وهيمنتها وقالت أنّ جوهر السياسة الدولية يقوم على ركيزتين أساسيتين هما: القوة والمصلحة، وتستند المدرسة الواقعية على أربع فرضيات في مقاربتها للعلاقات بين الدول:

  1. الطبيعة البشرية ثابتة من حيث الميول للشر والقوة ولا يمكن تغييرها
  2. الموقع الجغرافي يؤثر على الدول ويفرض عليها سياساتها الخارجية
  3. غياب السلطة المركزية التي تنظم العلاقات بين الدول يجعلها بحالة فوضى وتحتاج لوجود توازن قوى.
  4. النظرية السياسية يجب أن تنطلق من التجارب التاريخية للعلاقات الدولية بينها.

أرادت المدرسة الواقعية إعداد منهج عام يمكن تطبيقه على أرض الواقع في العلاقات بين الدول بعيداً عن المنهج المثالي الأقرب للخيال منه إلى الواقع وخصوصاً بعد ثبوت فشل المثالية بعد الحرب العالمية الأولى وإلغاء عصبة الأمم، واعتمد هذا المنهج على نقاط أساسية في العلاقات الدولية حيث تضمن هذا المنهج فكرة الدول بالوصول للقوة والحفاظ على الواقع القائم أ تغييره باتجاه مصالحها، ومن أبرز منظريها ” هانز مورغانتو” والذي خلص بتصنيف مصالح الدول وفق نموذج يتضمن ما يلي:

  1. المصالح الأولية تتضمن الحفاظ على الجغرافيا والهوية السياسية والثقافية ويجب الدفاع عنها ضد الخارج بأي ثمن.
  2. المصالح الثانوية وتتضمن حماية مصالح موطني الدولة في الخارج
  3. المصالح الدائمة وهي المصالح الثابتة
  4. المصالح المتغيرة: وهي التي تحددها الأمم
  5. المصالح العامة والتي يمكن أن تطبقها الدولة عبر سياساتها الخارجية كالاقتصاد والدبلوماسية والقانون الدولي
  6. المصالح الخاصة: ترتبط بمكان وزمان معين
  7. المصالح المتطابقة: وهي التي تكون هدفاً مشتركاً للعديد من الدول
  8. المصالح المتصارعة: وهي المصالح المتغيرة سلبا أو ايجابا تبعا للظرف.

إذن نلاحظ اعتماد فلسفة المدرسة الواقعية على نمط المصلحة والقوة في العلاقات الدولية والجنوح تجاه الهيمنة، والابتعاد عن التعاون بين الدول في سياساتها الخارجية والاعتماد على تغليب المصلحة على كل الاعتبارات.

الخاتمة

كانت العلاقات الدولية عبر التاريخ هي ضرورة وحاجة ملحة للمجتمعات، تنقلت بين منطق القوة والدبلوماسية المصاحبة للقوة، ثم وصلت لزمن الاتفاقيات بشكلها المبسط، والتي أسست فيما بعد لظهور علم متكامل يسمى بالعلاقات الدولية، والذي انتظم ضمن نظريات ومدارس عديدة أهمها المثالية والواقعية اللتان تناولناهما في المذكور آنفا من هذا المقال.

التعليقات مغلقة.