الصراع بين القديم و الحديث

86

يعد الصراع ما بين الحاضر والمعاصر، الجديد والقديم سمة عامة في كل المجتمعات، يشجع على هذا الصراع تزامن أجيال مختلفة تعيش نفس الحقبة الزمنية، فجيل الأجداد يجد نفسه في صراع فكري مع جيل الأحفاد، وخصوصاً فيما يخص منظومة القيم والعادات الاجتماعية، وينتقل هذا الصراع من الإطار الأسري ليصل غالباً للمؤسسات والدوائر الرسمية، فنجد صراعاً خفياً ما بين الموظف حديث العهد، والموظف القديم في المهنة، ويصل أيضاً للمؤسسة الأهم في كل مجتمع ألا وهي المؤسسة التعليمية، فالقيم اليوم الموجودة لدى الطلاب في المدارس والجامعات مختلفة عن تلك التي كانت سائدة قبل عقدين من الزمن.

يتخذ هذا الصراع اليوم طابع الغلو في مجتمعاتنا، وساعد على هذا الغلو التطور التقني والإعلامي الذي قفز قفزة كبيرة في بداية القرن الحالي، ولكن ليس من الضروري أن يكون كل قديم هو متأخر، وكل شيء من الحداثة فيه إفادة، فلو ذهبنا مثلاً للمؤسسة التعليمية، سنجد أن دور المعلم قديماً كان منوط بمهمتين وهما التربية والتعليم، أما اليوم ومع طغيان فكرة الحداثة، أصبح دوره لا يزيد عن كونه مُيسّر للتعليم ومهمته إيصال المعلومة دون التدخل في الجانب التربوي، وحصر مهمته ضمن سور المدرسة ولا علاقة له بالطلاب خارجها.

بالمقابل لا يمكن القول أن كل عنصر من عناصر الحداثة هو تغريب للمجتمع، وشيء غير لائق وهدّام، فمثلاً كان دور التربية الأسرية منوط سابقاً بالأم أكثر من الأب، أما اليوم مع تغير المفاهيم، أصبح موضوع التكليف مناط بالطرفين، ومثله موضوع الصحة، فكان عمل الطبيب سابقاً مختص فقط بالعلاج العضوي داخل أسوار المؤسسات الصحية، أما اليوم فقد تطور دوره ليكون مرشداً نفسياً للمرضى فيما بعد العلاج.

والأهم الذي يمكن أن نعتمد عليه كدستور في حياتنا في مواجهة هذه الجدلية هو مبدأ التسديد والمقاربة، فلا يمكننا أن نستغني عن الحداثة ونعيش في معزل عن تطور العالم، وكذلك لا يجب أن ننخلع من مجتمعاتنا وتاريخنا وثقافتنا، وعليه يجب أن نأخذ كل ما هو مفيد ومناسب لمجتمعاتنا من الحداثة، والتمسك بكل موروث مجتمعي لنا ولا يوجد فيه تعارض مع منظومتنا القيمية والأخلاقية.

التعليقات مغلقة.