الشركات المتعددة الجنسيات

580

تعريف الشركات متعددة الجنسيات

تعرف الشركات متعددة الجنسيات بأنها:” الشركات التي تقوم بعمليات كبيرة ومتشعبة جداً في البلدان الأخرى، وتمتلك هناك طاقات إنتاجية وتمارس نشاطاتها في ستة بلدان على الأقل”.

من بين الظواهر التي دار النقاش حولها في مدى تحقيق فوائد إيجابية أو إلحاق ضرر بالاقتصاد الدولي تأتي الشركات المتعددة الجنسيات كواحدة من تلك الظواهر، حيث أن النقاش حول دور الشركات المتعددة الجنسيات في تطور الاقتصاد العالمي ما زال دائراً حتى يومنا هذا، فهناك من ينظر إلى تلك الشركات على أنها شركات خاضعة لعولمة الاقتصاد، وأنها تهدف إلى تحقيق أهداف سياسية وتدخل في نطاق عمل الحكومات في الدول النامية بشكل مباشر، وأن عمل الشركات متعددة الجنسيات يهدف إلى تحقيق نظام اقتصادي عالمي جديد، نظراً لنوع الأنشطة التي تعمل بها وقدرتها على الانتشار الجغرافي والسوقي مع رفع القيود عن دخول تلك الشركات إلى معظم دول العالم نتيجة لما تتمتع به من قوة مالية ضخمة.

على العكس من ذلك هناك من يرى أن الشركات متعددة الجنسيات تحقق فوائد إيجابية تنعكس على المستوى المحلي والدولي، وذلك لما توفره من سهولة في حركة الأنشطة التجارية وإدخالها للتكنولوجيا في الأنشطة الصناعية والتجارية والمالية التي تعمل بها، إلى جانب أن أصحاب هذا الرأي ينظرون أن الشركات المتعددة الجنسيات قد ساهمت بشكل إيجابي في تسريع عملية التنمية في الدول النامية وحققت فوائد كبيرة على مستوى الاقتصاد المحلي والدولي.

ومن هنا فإننا نحاول رصد ظاهرة الشركات المتعددة الجنسيات من منظور إيجابي ودورها في تطور الاقتصاد العالمي، وذلك من خلال طرح التساؤل التالي: ما مدى تأثير الشركات المتعددة الجنسيات في تطور الاقتصاد العالمي؟

الشركات متعددة الجنسيات ودورها في الاقتصاد العالمي

تمثل الشركات متعددة الجنسيات أحد العوامل الرئيسية التي لها تأثير إيجابي في حركة الاقتصاد الدولي، وشكلت منذ ظهورها نقلة نوعية في النشاط الاقتصادي الدولي الذي كان منتشراً، وبعد مرحلة الحرب العالمية الثانية ارتفع عدد هذه الشركات، وزاد عدد فروعها في العالم وأخذت في التوسع بالأنشطة والمجالات التي تعمل بها لتصبح شركات عملاقة نتيجة رأس المال الذي تتمتع به والذي يفوق في كثير من الأحيان الناتج المحلي الوطني للعديد من الدول.

كان لهذه الشركات دوراً في خلق نوع قوي من المزج بين الوحدات الإنتاجية والهيئات المالية والمصرفية الدولية على الصعيد العالمي، فإلى جانب الدور الاقتصادي الذي تقوم به هذه الشركات عن طريق المساهمة الكبيرة في الإنتاج العالمي والذي يزيد عن 80% من التجارة الدولية، فإن تأثير هذه الشركات يتجاوز الجانب الاقتصادي، حيث أنها تؤثر في توجيه الأنظمة الاقتصادية للدول عبر استخدام نفوذها في المؤسسات الدولية، وفي توجيه الأنظمة السياسية في العديد من الدول عبر ما تمتلكه من نفوذ مالي ضخم[1].

كما تعد الشركات متعددة الجنسيات على اختلاف أشكالها وتنوع الأنشطة الاقتصادية التي تعمل بها والأحجام الفعلية أحد الفواعل الرئيسية في حركة رؤوس الأموال الدولية، وبشكل خاص رؤوس الأموال طويلة الأجل، ويكون ذلك من خلال إنشاء أو شراء مشاريع جديدة خارج الحدود في الدول التي بحاجة ماسة لمثل تلك المشروعات، كما أن هذه الشركات تدخل فيما بينها بمنافسة شديدة لاكتشاف مناطق استثمار جديدة حول العالم، إضافةً إلى أن المعاملات بين فروع الشركات التي تتضمن عمليات التمويل وتحويل الأرباح والتصدير واستيراد المواد الأولية تشكل جزءاً هاماً من حركة رؤوس الأموال الدولية، حيث أن ما يقارب ربع المبادلات الدولية تتضمن مبيعات تنشط بين أفرع الشركات المتعددة الجنسيات[2].

الشركات المتعددة الجنسيات

ويأتي تعاظم دور الشركات المتعددة الجنسيات وأحجامها ذات دور هام في زيادة حجم الحركة الدولية لرؤوس الأموال على اختلاف أحجامها وتعاظم أرقامها، فحسب ما ورد في إحصائيات الأونكتاد انتقل عدد الشركات المتعددة الجنسيات من 37 ألف شركة في عام 1992م إلى ما يزيد عن 65 ألف شركة في عام 2002م، وأكدت التقارير المتعلقة بدراسة ظاهرة الاستثمار الأجنبي القائم على الشركات متعددة الجنسيات أن ما يزيد عن 85% من حجم هذه الاستثمارات الدولية في عام 1998م، قد تم ممارستها من قبل الشركات المتعددة الجنسيات في شتى دول العالم، في حين أن 15% من حجم الاستثمارات المتبقية عالمياً كان تنفيذاً لاتفاقيات ومعاهدات بين الدول عن طريق مؤسساتها[3].

تعتبر الشركات متعددة الجنسيات ذات أثر كبير على النظام الاقتصادي العالمي، ويعود ذلك إلى الحجم الضخم الذي تمتلكه من أصول سائلة والحجم الضخم للاحتياطات الدولية المتوفرة لديها، وقد تناولت دراسة أجرتها مجلة فورتين في عام 2003م كانت قد أجريت على أكبر 100 شركة عالمية من حيث حجم الأصول، ووجدت الدراسة أنها تمتلك ما يقارب 4 تريليون دولار في نفس العام، وتضم الشركات متعددة الجنسيات الكبرى حول العالم فروعاً لها في ما يقارب من 40 إلى 50 دولة دولة موزعة على قارات العالم، كما وجدت الدراسة نفسها أن هناك مجموعة صغيرة تسيطر على ما يقارب 60% من مبيعات النشاط الذي تمارس أعمالها فيه.

الشركات المتعددة الجنسيات

على سبيل المثال تمتلك شركة “رويال دوتشي” العاملة في مجال التنقيب عن النفط فروعاً في حوالي 50 دولة، ولها أسهم ضخمة في أكبر 5 شركات منتجة للسيارات، ولها نصيب في مبيعات ما يقارب من 60% في مجال تجارة السيارات في العالم، ومن خلال أصولها وسيطرتها على حجم كبير من التجارة العالمية ونقل معظم الاستثمار العالمي، دليل على قدرة تحكنها في الاستقرار النقدي عبر فروعها المنتشرة، خاصةً في الدول التي سبق وتبنت برامج الإصلاح الاقتصادي تعتبر عامل جذب للاستثمارات الأجنبية المباشرة التي تصطحب التكنولوجيا معها، وبالتالي فإن الشركات المتعددة الجنسيات ساعدت بشكل كبير في الخروج من الاقتصاد المركزي إلى اقتصاد السوق [4] .

وللشركات متعددة الجنسيات تأثير مباشر على الاقتصاد العالمي عبر مجموعة من المؤشرات التي تعتمد عليها المنظمات الدولية ومراكز الدراسات الاقتصادية في دراستها لهذا النمط من الشركات، ومن تلك المؤشرات حجم المبيعات للشركات الأجنبية التابعة، وحجم الموظفين في الشركات التابعة، والقيمة المضافة للشركات متعددة الجنسيات، والصادرات العائدة للشركات الأجنبية.

تمثل الشركات متعددة الجنسيات قوة اقتصادية لها مكانة كبيرة في الاقتصاد الدولي، وتحتل موقعاً أقوى في البلدان النامية، حيث أنها تلعب دوراً في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية في هذه الدول [5] .

ومن الآثار الإيجابية التي تتركها الشركات متعددة الجنسيات أنها تحقق دوراً في تحقيق التنمية الشاملة في الدول النامية، وذلك لما توفره من فرص عمل للشباب في تلك الدول، ومساهمتها في تحسين مستوى الدخل، وارتفاع مستوى الإنتاجية وتحسينه، وكذلك تنمية المنافسة المحلية من خلال ما تفرضع من كسر الاحتكار المحلي لبعض الشركات الوطنية، وبالتالي تساهم في زيادة حجم المنافسة بين الشركات الدولية سواء كانت وطنية أم أجنبية [6] .

الشركات المتعددة الجنسيات

علاوةً على ذلك فإن الشركات المتعددة الجنسيات تؤمن موارد مالية ضخمة تمكن من سد الفجوة بين احتياجات الدول النامية من رؤوس الأموال التي تحتاجها تلك الدول من أجل تمويل المشروعات التنموية، وبين حجم الأموال المتاحة على الصعيد المحلي،

خاتمة 

إن الشركات المتعددة الجنسيات كان لها دور كبير في خلال حقبة التسعينات في رفع نشاط الأعمال التجارية، وكان لها دور مباشر في تطور الاقتصاد الدولي، وقد ساهمت بشكل كبير في تحقيق نقلة نوعية في مجال الاستثمارات في أنشطة مختلفة، وللشركات المتعددة الجنسيات دور بارز في تحسين الأوضاع الاقتصادية للدول النامية، حيث تتجه معظم تلك الشركات إليها لوجود المواد الأولية والمواد الخام وتوزع تلك الشركات في دول مختلفة، وزاد مساهمة هذه الشركات في تحقيق التنمية الشاملة للدول النامية التي تمتلك خطط تنموية، وذلك عبر ما قدمتها لها تلك الحكومات من تسهيلات ساهمت في التشجيع لدخول الشركات متعددة الجنسيات إليها.

كما أن دخول الشركات متعددة الجنسيات إلى معظم القطاعات الصناعية والتجارية حقق مساهمة في خفض نسبة البطالة في الكثير من الدول حول العالم، وساهمت في تحسين الدخل للكثير من الموظفين والعمالة التي كانت تعاني من قبل من عدم الحصول على فرص العمل، أما على الصعيد الدولي فإن الشركات المتعددة الجنسيات ساهمت في تسهيل حركة رؤوس الأموال مهما كان حجمها بين الدول وهو ما زاد من نشاط الحركة المالية في العالم، واستفادت من تلك التدفقات المالية وحركة التنقل لرؤوس الأموال المؤسسات المالية الدولية.

التعليقات مغلقة.