الدبلوماسية الرقمية….. هيمنة الفضاء الرقمي

3

المقصود بالدبلوماسية الرقمية هو استخدام الإنترنت ووسائل الاتصال الحديثة بما تحتويها من برامج وتطبيقات من أجل الوصول لتحقيق أهداف الدبلوماسية العامة، وهي إحدى فروع الدبلوماسية التقليدية، وتعمل عبر استخدام التكنولوجيا الحديثة ووسائل التواصل الاجتماعي، كما أنها عملية توظيف الإنترنت وتكنولوجيا الاتصال الحديثة للتواصل مع الجمهور الخارجي، والهدف من استخدامها هو تمكين السياسة الخارجية واتساعها ونشرها لبلد ما في بلدان أخرى لتصل إلى أبعد مدى يمكن تحقيقه.

مرت الدبلوماسية الرقمية بمراحل عديدة إلى أن وصلت على الشكل الحالي لها في الوقت الراهن، فكانت بدايةً في منتصف القرن العشرين وتحديداً في عام 1953م، عندما أسس الرئيس الأمريكي الراحل أيزنهاور وكالة المعلومات الأمريكية، وكان نطاق عملها ضمن العمليات الدبلوماسية الشعبية الأمريكية، وفي عام 1978م طرأ تغيير عليها عندما غيّر الرئيس الأمريكي كارتر تسميتها إلى “هيئة الاتصال الدولي”، وفي عصر الرئيس ريغان تم إعادة التسمية إلى ما كانت عليه بداية إنشائها.

وشهد عام 1984م أول عملية تحليل تدور حول الدبلوماسية العامة وأطلق عليها “عالم محوسب”، وتم تأليف كتاب الدبلوماسية العامة في عصر الكمبيوتر من قبل ألن هانسن، وجرى فيه استكشاف الدبلوماسية العامة التي تتم ممارستها في وكالة معلومات الولايات المتحدة، وفي عام 1994م جرى أول عملية تبادل رسمي للبريد الإلكتروني بين رؤساء الحكومات بين كارل بليت وبيل كلينتون، وبعدها بعشر سنوات تم تأسيس منصة فيس بوك التي تحولت في الوقت الحالي إلى أهم منصة إلكترونية حول العالم، وفي العام التالي تم تأسيس موقع يوتيوب، الذي أصبح الموقع الأكثر شهرة في عالم الفيديو، وكان ذلك من قبل موظفي (باي بال) السابقين، وفي عام 2005م حصل أول مقطع فيديو له على مليون مشاهدة، وتم إطلاق الموقع بشكل رسمي في ديسمبر من عام 2005م، تلا ذلك في عام 2006م إنشاء منصة تويتر ومنصة ويكيليكس، وقد كان من أطلق فكرة تويتر “جاك دورسي” وكانت في بدايتها منصة اتصالات تقوم فكرتها على تدوين الرسائل القصيرة، لتنتقل بعد ذلك لتحتل المرتبة الأولى كأفضل موقع تدوين مصغر، وأصبح الأداة الأكثر فائدة في الدبلوماسية الرقمية.

قدمت الدبلوماسية الرقمية إضافة لأنماط جديدة على الدبلوماسية التقليدية لتشمل تعامل الحكومة مع الناس، وتعامل الناس مع الحكومة، وما يميز الدبلوماسية الرقمية عن الدبلوماسية التقليدية في أن تعاملها يقتصر على التعامل الرسمي بين الحكومات، كما أنها تعتبر تحول تقني وتكنولوجي يستلزم تطوير المهارات الرقمية عند الدبلوماسيين، وتشمل معرفة خوارزمية الوسائط الاجتماعية وكتابة برامج الكمبيوتر وتطبيقات الهاتف الذكي، وأصبحت على الرغم من تاريخها القصير وسيلة هامة للغاية في العالم.

وقد أثرت الدبلوماسية الرقمية على الدبلوماسية التقليدية في أنها أجبرت الدول على التأثير في هذا العالم الرقمي، وأصبحت من بين مؤشرات قياس القوة للدول، وأصبحت الدول التي لا تستطيع حماية مصالحها في المجال الرقمي أو حماية نفسها من تبعات الحرب الإلكترونية تصنف ضمن قائمة الدول الضعيفة.

وتحمل الدبلوماسية الرقمية إيجابيات منها مساعدة الدبلوماسية بطرق كثيرة، حيث أنها تساهم في توفير الوقت وتؤمن الاستجابة السريعة للأحداث، كما أنها تتميز بسهولة التفاعل والمشاركة الدبلوماسية في الوقت الحقيقي، ولها دور في تسهيل الاتصال وإتاحة المجال لإتخاذ إجراءات وقرارت خلال الأزمات، كما أنها تدعم المفاوضات وتبني التحالفات، وتختصر الوقت وتزيل المسافات، إلى جانب أنها تُكسب فهم المشاعر والتصورات العامة حول الأحداث الدولية الهامة.

من أبرز سلبيات الدبلوماسية الرقمية عدم وجود قانون دولي لتنظيمها، كما أنها معرضة لأخطار القرصنة والحرب السيبرانية، حيث أن الهجمات الإلكترونية في الوقت الحاضر أصبحت أخطر من الهجوم العسكري، كما أنها عرضة للتجسس واستخدام البيانات الشخصية لأغراض غير أخلاقية.

إن الوقع يقول أن الدبلوماسية الرقمية أصبحت من الركائز الهامة في العالم حالياً، وتم استخدامها من قبل زعماء العالم للتعبير عن آرائهم حول الأحداث الجارية، كما أنها أصبحت وسيلة يستخدمها عامة الناس لمتابعة القضايا الحسّاسة التي تهم الشأن العالمي، وستشهد الدبلوماسية الرقمية تطورات في المستقبل لتتحول لمنافسة الدبلوماسية التقليدية التي عرفتها الإنسانية منذ أقدم العصور.

التعليقات مغلقة.