التفكك الأسري أسبابه و آثاره على أفراد الأسرة

1٬476

مقدمة عن التفكك الأسري

تمثّل الأسرة دور الوحدة الأصغر التي تشكل المجتمع، وهي اللبنة الأساسية في بناء المجتمعات البشرية، وعليها يتوقف المظهر النهائي للمجتمع، وفي صلاح الأسرة صلاح الوحدة الأكبر التي تشكلها والعكس صحيح.

منذ مدة ليست بالبعيدة طرأ على الأسرة جملة من المتغيرات والأعراف الجديدة التي أثرت بشكل سلبي على ترابط الأسرة وأصبحت مسبب لوجود مرض من أمراض العصر وهو ما أصبح يعرف ب ” التفكك الأسري ” وهذه الظاهرة الطارئة لم تعد ولم تكن حكراً على مجتمع معين من المجتمعات بل وصلت للجميع وأصبحت سمة عامة في المجتمعات العربية والغربية، وخصوصاً مع تظافر التغيرات الاجتماعية والاقتصادية الجديدة سويةً، والتي أثرت على المجتمع بشكل عام وعلى الأسرة بشكل خاص[1].

سوف يتناول هذا البحث قضية التفكك الأسري ونحاول الإحاطة بها من جميع جوانبها بحيث نستطيع فهم هذه الآفة المجتمعية وتداركها ووضع الحلول لها، حيث سنعرض مفهوم التفكك الأسري ونتطرق للأسباب التي تؤدي لنشوئها، وندرس الآثار التي تنجم عنها سواءً تلك المرتبطة بالأسرة أو المرتبطة بالمجتمع ككيان جامع، ثم يتطرق البحث لنظرية البناء الوظيفي والتي تؤثر بشكل مباشر على قضية التفكك الأسري، وكذلك سيتم التعريج على دراسات سابقة متصلة.

سنتناول في هذا البحث أهم نظريات علماء الاجتماع الذين نظّروا بشؤون المجتمع والأسرة، ونورد أجوبتهم عن التفكك الأسري والبناء الوظيفي

أولا: نبذة عامة عن التفكك الاسري

مفهوم التفكك الاسري

هو تميّع الروابط العاطفية والاجتماعية التي تجمع أفراد الأسرة مع بعضهم البعض مما يؤدي لتفرقهم وتباعدهم

أسباب التفكك الاسري

  • انتشار وسائل التواصل الاجتماعي والانترنت بشكل عام
  • نمط عمل الأب خصوصا عندما يكون بظروف عمل مطولة مما يؤدي عن تنازله عن دور المصوب والمراقب لسلوك الأبناء.
  • ظروف عمل الأم أو انشغالها بالوسط الاجتماعي وعدم قدرتها على التوفيق بين عملها وأسرتها ووسطها الاجتماعي المحيط.
  • ضياع القدوة الحسنة في ظل تصدُّر التافهين لمنصات التواصل الاجتماعي والعالم الافتراضي
  • تضارب الأدوار بين الأب والأم في التربية ونسب كل منهما الفضل لنفسه.
  • النمط المادي الخاص بالأسرة، حيث يتأثر به الأبناء صعودا كان أم هبوطاً.
  • تقاعس الأهل عن مهمتهم الأساسية في التربية وتوكيلها للخدم والمربيات.

 

آثار التفكك الاسري

يسبب التفكك الأسري جائحة اجتماعية تؤثر سلباً على الأب والأم وعلى الأبناء على حد سواء، فانفصال الأسرة يُرجع الأب والأم لحالة الصفر اجتماعياً، ويبدأ كل منهما بالبحث عن حياة جديدة، أما الأبناء فهم الضحية الأكبر في هذه المعركة الخاسرة، ويؤثر تفكك الأسرة عليهم بمنحيين اثنين كالتالي:

الأول: منحى مستقبلي يجعل منهم في غالب الأحيان كائن معتل اجتماعياً يرفض الزواج وتكوين أسرة وذلك لاحتفاظه بذكرى سيئة عن تجربة والديه[2].

الثاني: منحى حالي يمكن تلخيص بعض آثاره السيئة كالتالي:

  • تنكّر الأبناء لجو الأسرة وشعورهم وفقدان الأمان.
  • حملهم لمشاعر سلبية تجاه أحد الوالدين أو كلاهما.
  • اضطرابات نفسية متعددة كالقلق والخوف المستمر.
  • حالة عداء فيما بينهم نتيجة لاصطفاف بعض منهم لجانب الأم والبعض الآخر لجانب الأب.
  • اللجوء للسلوكيات العنيفة جسدياً وفكرياً.
  • ترك التعليم كردة فعل تجاه والديهم.
  • اعتماد الريبة والشك كمنهج في تعاملاتهم مع الأوساط المحيطة كالأقارب والأصدقاء.
  • الإدمان على الممنوعات كرد فعل نفسي للهروب من الواقع.
  • رفقة السيئين والمنبوذين مجتمعياً.
  • التحول للتطرف والجريمة.

 

 

ثانيا: النظرية البنائية الوظيفية وعلاقتها بالتفكك الأسري

 

النظرية البنائية الوظيفية

ترتكز هذه النظرية في فلسفاتها على تصوير المجتمع كجزيئات صغيرة مترابطة، وإن الأسرة هي بالضبط هذا الجزيء، والتي يتولد عن تجمعها ما يسمى” الحالة المجتمعية”. إن أي مشكلة تطرأ على هذه الوحدة المتماسكة _الأسرة_ سوف تؤدي بالضرورة إلى تفككها، وهذا سينعكس سلباً على الكيان الكبير الذي تشكله _المجتمع_ والذي سيختل توازنه ويتحطم بدوره كنتيجة طبيعية لتفكك مكوناته الأصغر، مما يؤدي في النهاية لحالة عامة من الضياع[3].

تقوم نظرية البناء الوظيفي بتسليط الضوء على الشروط والقيم والوظائف والأنظمة كمكونات أساسية لهذه النظرية والتي تقوم بدورها على خلق نوع من التوازن والاستقرار المجتمعي من خلال تحقيق متطلبات المجتمع.

من وجهة نظري فإنّ نظرية البناء الوظيفي هي من أكثر النظريات الاجتماعية رزانة والتي تكلمت في موضوع بحثنا الحالي، لأنها من خلال عناصرها المذكورة آنفاً تعمل على إرساء قواعد المجتمع من خلال تلبية احتياجاته ابتداء من اللبنة الأساسية الأسرة من حيث كونها نمط حياة ونظام اجتماعي مصغر، وصولاً للمجتمع بكلّيته[4].

 

رواد نظرية البناء الوظيفي

  • روبيرت ميرتون:

هو أشهر من كتب في النظرية الوظيفية حيث قام بطرح بعض الافتراضات الأساسية التي تعتبر عوائق منهجية في عملية التحليل الوظيفي للظواهر الاجتماعية، ومن أهم افتراضاته هي:

  • افتراض الوحدة للوظيفية في المجتمع: والمراد بها الاعتقادات الواحدة او الأساليب الموحدة تعتبر مكونة للنمط الثقافي للمجتمع، لكن المشكلة التي تواجه هذا الافتراض أنه لا يمكن اعتماده أو اسقاطه على المجتمعات الأكثر تعقيداً، كما أن بعض الطرق والسلوكيات الاجتماعية لا يمكن أن تكون وظيفية بالمجمل العام في كل المجتمعات.
  • افتراض الوظيفية الشاملة: والمقصود أن يقوم كل عنصر من العناصر بالقيام بوظيفة مؤثرة داخل النسق الاجتماعي.

لكن المشكلة التي تواجه الافتراض السابق أنه ليس من الضروري أن يؤدي كل عنصر دوره المنوط به على أكمل وجه لتحقيق التكامل. من وجهة نظري أنه من الواجب أن يؤدي كل عنصر من عناصر المجتمع دوره كاملاً، وإن أي تقاعس سيؤدي لحالة سلبية وتطفو العديد من المشاكل ضمن المجتمع على السطح[5].

  • افتراض الضرورة الوظيفية: يحتوي هذا الافتراض فكرة “المستلزمات الوظيفية” والمقصود بها أنه يجب القيام بالوظائف الأساسية من أجل استمرار الرتم الاجتماعي.
  • دون فان بارج:

واحد من مؤسسي الفكر الوظيفي وتظهر أفكاره الوظيفية حول التحليل الاجتماعي من خلال ما قام بتأليفه من مؤلفات والتي قام بنشرها وتطرح العلاقة بين الجدلية والوظيفية.

أصدر كتاب في عام 1960م يجمع بين نظريات دون فان بارج وأفكار حول التحليل الوظيفي للظواهر الاجتماعية في النقاط التالية[6]:

  • تقوم بمساندة العملية الاجتماعية بسبب عواملها المتعددة وتبادل التأثير بينها وبين العوامل.
  • يأتي التغيير من 3 مصادر رئيسية وهي: تواتي النسق وتكيفه مع التغيرات الخارجية والنمو الناتج عن الاختلاف الوظيفي والثقافي والتجديد والابداع من جانب افراد المجتمع.
  • العامل الرئيس في صنع التكامل الاجتماعي يتمثل في الاتفاق العام على المبادئ التي تعكس بدورها التكامل الاجتماعي.
  • أرنست نيكل

حسب نظريته فإن المجتمع يتكون من أنظمة فرعية لها وظائف مخصصة، تعمل من خلالها على تحقيق الأهداف المنشودة داخل المجتمع[7]، وتتلخص بما يلي:

  • تحقيق الغايات
  • تكافل مكونات النظام
  • المحافظة على النظام العام.
  • التحكم في الاضطرابات والاختلافات التي تحصل بين اقسام النظام الواحد وعلاقة الأنظمة ببعض.

استنتاجات التفكك الاسري وعلاقته بالنظرية

إن الاستنتاج الذي يمكن الوصول إليه من خلال ما سبق من بحثنا بأن نظرية البناء الوظيفي هي خير مفسر لظاهرة التفكك الأسري، حيث أنها تقوم بعرض الظاهرة، وتشخيص الحوادث التي تؤدي لها، وتفسر الدور الذي يلعبه كل مكون من مكونات الأسرة “الأب، الأم، الأبناء” للوصول للشكل النهائي لتخرب الأسرة وتفككها.

كما أن النظرية الآنفة الذكر تشرح الوظائف التي يقوم بها الأفراد داخل الأسرة بوصفها وحدة البناء الأساسية، وكذلك تشرح دورهم بشكل في المجتمع بشكل عام، كما تحلل الدور الاستثنائي للأسرة بوصفها مجتمع مصغّر يعيش ضمن أدوار ونمط حياة ونظام اجتماعي محدد، ولها أهداف يجب أن تتحقق كي لا تقع بحالة من التفكك الأسري الذي سيؤدي بالضرورة لتفكك المجتمع.

وفق وجهة نظري كباحثة في هذا المجال فإن المذكور آنفاً هو المغزى الذي أرادت النظرية البنائية الوظيفية إيصاله، فعند التقاعس عن القيام بالوظائف، أو تأدية الأدوار بشكل غير صحيح، أو عملها دون إتقان بقصد إسقاط وزرها عن العاتق، فإن ذلك سيؤدي بشكل حتمي لظهور المشاكل في الأسرة والمجتمع على حد سواء، ويؤدي لتصبح حالة التفكك عرف اجتماعي سائد، بعد أن كانت بيوم من الأيام مجرد حالة طارئة على المجتمع.

يضاف لذلك تفسير علماء الاجتماع واجتهاداتهم في دراسة العوامل والأسباب التي تؤدي لهذه الظاهرة، وعملهم المستمر لإيجاد الحلول للتخلص منها.

دراسات سابقة:

يوجد اختلافات في تعريف التفكك الأسري حسب دراسات سابقة، ويعود هذا الاختلاف بالأصل للاختلاف الثقافي بين المجتمعين العربي والغربي، ففي دراسة ل “أحمد خليفة” استخدم لفظ التصدع الأسري للإشارة لتفكك الأسرة ضمن ظروف اختيارية او إجبارية كالطلاق والوفاة والهجر والسجن، وشمل ذلك غياب أحد الوالدين أو كلاهما[8].

وعن الأسباب المباشرة لحالة التفكك الأسري، عزى الدكتور “وليم ج. وود” في دراسة سابقة عن حالات الطلاق في الأسرة أنّ سبب هذه الظاهرة هو عدم القدرة على تقبل المتغيرات التي تطرأ على بنية الأسرة وذلك من خلال المسؤوليات المترتبة على الوالدين، حيث تتضارب المسؤوليات، ويتقاعس عنها أحد الطرفين، أو لا تكون عنده قابلية لتقبل واجب القيام بهذه المسؤولية أساساً[9].

 

وفي دراسة سابقة ل ” أحمد مختار” بعنوان: أثر غياب الوالدين في عالم الطفل

تناول في هذه الدراسة أثر التفكك الأسري على المستوى التعليمي للأطفال، فقد أوضح أن غياب أحد الوالدين في الأسرة يؤدي لفقد الطفل بعض مهاراته التعليمية ويقوّض ثقته بنفسه وتدني مستواه التعليمي، وذهب الباحث الاجتماعي “بين كوخ” لنفس النتيجة في دراسة أجراها عن الطلاب المتخلفين عن أقرانهم في الفصول الدراسية، حيث قال: إن الأطفال القادمين من أسر تعيش أجواء مفككة لا يستطيعون مواكبة أقرانهم في الفصل الدراسي لفقدهم لبعض القدرات والمهارات التعليمية[10].

خاتمة:

بناء على ما ذكر سابقاً في هذا البحث، بإمكاننا أن نستنتج أن التفكك الأسري هو ظاهرة عامة تصيب المجتمعات كلها بشرقها وغربها بغض النظر عن اشتراكها أ اختلافها ثقافياً، وهذه الظاهرة عندما تحصل لا تكون وليدة اللحظة، بل هي حصيلة تراكم أسباب متعددة داخل إطار زمني قد يطول وقد يقصر لكن نهاية ستقع لا محالة، ولعل أهم هذه الأسباب هو تخاذل أحد الأطراف المكونة للأسرة عن

القيام بدوره سواء عن جهل او عن دراية، وهذا ما شرحته وعرضته لنا نظرية البناء الوظيفي مع الأخذ بعين الاعتبار أن الأسرة هي اللبنة الأساسية في البناء الأكبر المسمى” المجتمع”.

منذ القدم اجتهد علماء الاجتماع في تفسير هذه الظاهرة ووضع الحلول لها، من الفارابي مروراً بابن خلدون وصولا لماركس، وأخيرا وليس آخراً فرسان نظرية البناء الوظيفي ك نيكل ودون فارج وروبيرت وغيرهم الكثير من علماء الاجتماع الذين تركوا لنا إرثاً علمياً كبيرا.

[1] بنة بوزيون، الاسرة في المجتمعات العربية، 2004، دار الكنوز، بيروت.، ص71.

[2] بنة بوزيون، مصدر سابق، ص44.

[3] علي شنا، نظرية علم الاجتماع، 1993م، مؤسسة شباب الجامعة، الإسكندرية، ص152.

[4] علي عبد الرزاق، عبد العاطي السيد، سامية جابر، علم الاجتماع، 1998م، دار المعرفة الجامعية، القاهرة، ص201.

[5] محمود عودة، نظرية علم الاجتماع، 1997م، دار المعرفة الجامعية، القاهرة، ص154.

[6] علي عبد الرزاق، مصدر سابق، ص233.

[7] محمود عودة، مصدر سابق، ص107.

[8] سامر سعد اصطفان، أثر الخلفية الأسرية في تدني التحصيل الدراسي والتسرب المدرسي، رسالة ماجستير، 1995، كلية الدراسات العليا، الجامعة الأردنية، ص40.

[9] هبة عبد الله الرصد، الطلاق المبكر وانعكاساته الاقتصادية والاجتماعية على المرأة، رسالة ماجستير، 2013، كلية الآداب، جامعة دمنهور، ص83.

[10] اصطفان، مصدر سابق، ص47.

 

: شاهد أيضا

زواج الأقارب موروث سيء أم مطلب مجتمعي

تفكك أسري

التعليقات مغلقة.