الاسبرين | Aspirin
لا يوجد دواء يتناوله البشر على مستوى العالم بنفس درجة تناول الاسبرين، فهو أكثر الأدوية استخداماً وشيوعاً، فالأسبرين دواء فعال كــمسكن للصداع، نزلات البرد، آلام المفاصل، وجع الأسنان، خفض الحرارة وأهم استخدام له كــــمذيب للجلطات.
الاسبرين(1) في الأصل هو دواء فرعوني، جهزه وحضره كهنة وأطباء الفراعنة منذ آلاف السنين مثله مثل العديد من الأدوية التي كانت معروفة حينئذٍ. تعود قصة هذا الدواء العجيب إلى وصفات فرعونية قديمة تعود إلى الألف الثالث قبل الميلاد، إذ اعتادوا وصف لحاء شجر الصفصاف لمرضاهم لغرض تخفيف الألم، وذلك لأنها تحتوي على الساليسين salicin وهو المكون الأساسي للأسبرين.
جاء في بعض لفائف ورق البردي الطبية وصفات طبية استخدمها الأطباء الفراعنة في علاج العديد من المرضى، مثل بردية هيرست Hearst والتي دونت في سنة 1550 قبل الميلاد والتي جاء فيها وصفة طبية للتخلص من ارتفاع درجات الحرارة، تحتوي هذه البردية وحدها على 260 وصفة طبية جاء فيها عن الطبيب المعالج ” لتبريد أوعية الجسم، تُطحن مقادير متساوية من ورق السدر، ورق الصفصاف، ورق السنط نبات (غير معروف)، ملح بحري، بصل، ومن ثم يضمد جسم الشخص المريض بالعجينة” فـــورق الصفصاف يُحضّر منه الأسبرين.
كما أن الهنود الحمر يستخدمون شراب الصفصاف لعلاج الحمى وارتفاع درجات الحرارة، ولا يعرف كيف وصلت إليهم هذه الطريقة، يُعتقد أنها انتقلت لأجدادهم من مصر القديمة.
وجاء في إحدى الوصفات من نفس البردية استخدام الطبيب المعالج حبوب الصفصاف بدلاً من أوراقه، واستخدم الكرات بدلاً من البصل. كما جاء في بردية أخرى شرح مطول عن استخدام الصفصاف لمعالجة القلب والأوعية الدموية، وكانت أغلب عقاقيرها نباتية وحيوانية.
وفى وصفات هذه البردية استخدم الطبيب المعالج ورق الصفصاف مع غيره من النباتات لتجهيز وصفات (لبخات) لتخفيف وجع الأسنان.
وبنفس تلك الطريقة القديمة في عام 1763، عالج القس البريطاني إدوارد ستون من يعانون من آلام روماتيزمية عن طريق مضغهم لأوراق الصفصاف.
ورد في بردية أودين سميث الجراحية نسبة إلى مكتشفها أدوين سميث 1906-1822 م (Edwin Smith) والتي تحتوى على أقدم البيانات التشريحية والوظيفية لجسم الإنسان، حيث عالج فيها الجراح تلوث جروح الصدر باستخدام مستحلب ورق الصفصاف ولا بد أن تجارب هذا الجراح وغيره قد علمته أن هذا العقار «مستحلب ورق الصفصاف» له خاصية منع التلوث ويعد مادة مطهرة.
انتقلت فيما بعد المعارف الطبية الفرعونية ومنها استخدام الصفصاف في علاج المرضى إلى بلاد الإغريق حيث استُخدم بقراط منقوع ورق الصفصاف كعلاج لتخفيف درجة حرارة المرضى، وبمرور الزمن بدأ التعرف على الاسبرين وطرق تحضيره، ونشر الكيميائي الفرنسي تشارلز جيرهاردت مقالة حول تصنيع الساليسين في المعمل منتجاً حامض الساليسيليك والذي يمثل المادة الفعالة أو الاسم العلمي لعقار الأسبرين. وفي عام 1837 تمكن كيميائي إيطالي(2) من استخلاص المادة الفعالة في نبات الصفصاف وهي حمض الساليسيليك Salicylic acid ويعرف الكيميائيون اليوم أن أشجار وشجيرات الصفصاف تحتوى على حمض الساليسيليك.
وفى عام 1847 تمكن الكيميائي الألماني كولب من تحضير حمض الساليسيليك بالطرق الكيميائية، ثم تبين للأطباء أن حمض الساليسيليك له آثاره الجانبية الحادة، فـــاتجه العلماء لتحضير مشتق من هذا الحمض يكون غير سام وكانت هذه المادة هي حمض الاسيتيل ساليسيليك acetylsalicylic والتي حصل عليها الكيميائي الألماني فيلكس هوفمان Felix Hoffman في سنة 1899(3) واستخدم هوفمان هذه المادة لعلاج والده الذى كان يعانى من التهاب المفاصل. وقد أنتج حمض الاسيتيل ساليسيليك، والذى قال أن ليس له آثار جانبية رديئة، ومن ثم بدأ استخدامه على نطاق واسع وأطلق باير على هذه المادة اسم الأسبرين aspirin ويعني الحرف – a) نسبة إلى الأسيتيل acetyl و( سبرين spirin) نسبة إلى سبيرا أولماريا Spiraea UI- maria هي عائلة نباتية تحتوى بعض أفرادها على حمض الساليسيليك. وعلى الرغم من أن اسم «أسبرين» هو اسم جذاب إلا أنه اسم مضلل إذ أنه لا يشير إلى جنس الصفصاف (Salix) الذى كان البداية لهذا الدواء.
أعاد العالم الألماني فليكس هوفمان نفس تجارب جيرهاردت القديمة في عام 1897 ، ولكنه كان أوفر حظاً حيث كتب التاريخ اسمه كــمخترع لذلك العقار والذي أثار ضجة في الأوساط الطبية جعلت شركات إنتاج الدواء تتسابق للحصول على حق إنتاجه.
لم يكن أحد يعرف على وجه التأكيد كيفية عمل عقار الأسبرين حتى سبعينيات القرن العشرين إلى أن اكتشف العالم البريطاني جون فين أن الأسبرين يقلل من إنتاج الجسم للأحماض الدهنية المسببة للتورم والألم مثل أحماض البروستاجلاندين، وهو نفس التأثير الذي يحصل عليه الجسم من تناوله للفاكهة والخضروات التي تحتوي على حمض البنزويك، الذي يجعل الجسم يفرز حمض الساليسيليك الخاص به.
ما لا تعرفه أن الأسبرين قادر على إعادة الحياة إلى بطارية السيارة القديمة، فما علينا سوى وضع حبتين منه داخل البطارية لكي يتفاعل حامض الساليسيليك مع حامض الكبريتيك، ليعيد إليها طاقتها، لكن عندما تفعل ذلك تأكد من خلو يديك من ملح الطعام (كلوريد الصوديوم)، فإضافة الصوديوم إلى الأسبرين في بطارية السيارة قد يؤدي إلى حدوث انفجار.
شاهد أيضاً:
التعليقات مغلقة.