أفيون السعادة ….. كيف تكون سعيداً؟

21

تــخيل، يهديك أحدهم وردة حمراء عطرة يكسوها الندى، أو أنك تلقى من تحب فجأة، أو تأكل ما تشتهى من يد أمك التي لم تلتقي بها منذ مدة، أو قد تمر بشارع قديم لك فيه ذكريات جميلة، أو تجرح نفسك بالخطأ.

الآن مع هذه التخيلات، هل تغير إحساسك فجأة؟ إذا دعتك كل هذه التخيلات إلى أن تحس بغير ما كنت تحس به قبل قراءة هذه الكلمات، وإذا سرت رعشة بـداخلك وخدرتك ثم نبهتك، فأكون قد استطعت أن أوصل إليك ما أريده بمجرد لحظة تخيل علمية حياتية جميلة استذكرت فيها لحظة من ماضي قد مررت به، حتى وإن احتوت بين طياتها شيئاً من الألم.

السعادة، الحزن، الانتقام، الغضب، التوتر…إلخ، ماهي إلا نماذج  لـلمشاعر البشرية المعقدة  والتي تتداخل فيها هرمونات ومواد كيميائية وعمليات حيوية في الدماغ، وعليه تتغير هذه المشاعر وينعكس على تصرفات وسلوكيات الفرد، إذا حاول الإنسان جاهداً أن يتعرف على كينونته، فـتعرف على (الإندورفينات) ويلقبها بعض العلماء بـ« أفيونات المخ » أو (المورفينات الطبيعية) والتي تلعب دوراً في كل ما يمر به الإنسان من لحظة الولادة حتى الموت، كل شيء له صلة بالألم والسعادة، البكاء، الضحك، الإجهاد، الاكتئاب، الصدمات، الحمل والولادة، الشهية، المناعة، اللعب مع الحيوانات الأليفة، كل ذلك وأكثر مرتبط بالإندورفينات, فمعنى هذا أن أجسادنا تنتج مواد كيميائية لها خصائص الأفيون، ولذلك فإن هناك مواد محددة تسرى في دمائنا.

حاول العلماء كثيراً الوصول إلى نتائج حتمية بخصوص هذه المورفينات الإنسانية بالبحث والمتابعة ومعرفة خصائصها وأماكن وجودها، فوجدوا أن المورفين المُصنَّع يبطئ من النبض والتنفس، عرفوا أنه يُخفى الألم، ويحدث البهجة ففتشوا في أسرار المزاج الإنساني، وجد العلماء (الإندورفين) أو مستقبلاته في كل مكان بحثوا فيه، وجدوه كموصل ينقل النبضات العصبية، يزيل الألم، يحفز تحرير الهرمونات يقوم بكل هذه الأشياء إما في وقت واحد أو على فترات وبسرعة ودون أي مجهود.

يعتقد البعض أن تأثيرات الأفيون عضوية إلا أنها في حقيقة الأمر تمتد لتأخذ مجرًى نفسياً انفعالياً لدرجة الاعتقاد بأن كل شيء متعلق بالنشوة والغبطة والسعادة مرتبط بتحرير مادة الإندورفين كـالضحك عالياً أو البكاء بحرارة كلها لحظات انفعالية حادة وساخنة لها ارتباط واضح بتحرير الأفيونات الطبيعية في جسم الإنسان[1].

تركيبة المخ والمشاعر الإنسانية:

تأتي المشاعر من إثارة الجهاز العصبي، حيث تحدث ملايين التفاعلات الكيميائية في المخ في أي وقت بسبب الناقلات العصبية وهي أجزاء من الجهاز العصبي، ومن خلالها تستطيع العصبونات نقل الرسائل باستخدام الناقلات العصبية.

وتقاس المشاعر عادةً من خلال الاستجابات الفسيولوجية، مثل: نبضات القلب، التعرق، اندفاع الدم إلى الوجه، وإطلاق الأدرينالين والهرمونات، بينما يرتبط التعبير بأجزاء من الجهاز العصبي مثل: القشرة الحركية وجذع الدماغ، وأكثر أجزاء الجهاز العصبي التي تؤثر على العاطفة هي الفص الجبهي واللوزة، وعادة ما ترتبط القشرة الأمامية بمشاعر السعادة والمتعة بينما ترتبط اللوزة عادة بمشاعر الغضب والخوف والحزن.

هرمونات المشاعر[2]:

  • الأستروجين: لتحسين المزاج
  • البروجسترون: يقلل القلق ويساعد على الاسترخاء
  • الدوبامين: ارتفاعه قد يؤدى إلى جنون العظمة
  • السيروتونين: هرمون السعادة
  • أسيتيل كولين.. يتحكم في الغضب والخوف والعدواني

الكيمياء التي تفجر المشاعر:

هناك سؤال يدور في ذهننا، كيف تُخلَق السعادة داخلنا؟[3]

شغل تعريف السعادة الفلاسفة منذ القدم، وحتى العلم في القرون الحديثة ظل مفهوم السعادة غامضاً.

إذ يصف أريستبوس اليوناني في القرن الرابع قبل الميلاد السعادة أنها: اللذة الحسية hedonia. لكن، خالفه فلاسفة مثل أرسطو هذا المفهوم فالسعادة لديه eudaimonia، تعني القيم الخيرية والعقلية مثل الغنى الداخلي والفضيلة. أما إبيقور فيرى أن السعادة هي صفاء الروح وغياب الألم والخلود للراحة والدعة، ويُعَرِّفها أفلاطون بأنها التناغم بين الغايات المتعارضة.

ركز كانط على عجز الإنسان عن تحديد مفهوم يعرف السعادة نظرًا لرغباته المتداخلة والمتعارضة في آن واحد، ويطرح تساؤلاً، هل السعادة هي الغاية أم أنها وسيلة للعيش؟

لكن الفيلسوف الألماني نيتشه يدّعي أن مفهوم السعادة والخلود للراحة وإشباع الرغبات لا تعد شيئاً أمام قوة الإنسان في رفض الإغراء والتناغم وتحكمه في رغباته، أما الفيلسوف الهولندي سبينوزا يصفها أنها العاطفة التي يصل فيها العقل البشري لقمة الكمال عندما يفهم ويتأمل في غياهب الكون المادي، في حين أن ديكارت يرى أن انتظار العقل لإرضاء افتراضاته المسبقة هو الذي يخلق هذا الشعور الطاغي عندما تتحقق.

[1] https://www.google.com/url?sa=t&source=web&rct=j&url=https://www.almasryalyoum.com/news/detailsamp/1423000&ved=2ahUKEwjv4IyR2Lz5AhV4RPEDHevyC_MQFnoECAQQBQ&usg=AOvVaw0jzKbOUeDtImfMlAq_1EuL

 

[2] https://www.psychologytoday.com/us/contributors/christopher-bergland

 

[3] Bjørn Grinde ,The Biology of Happiness, Springer Dordrecht ,Edit 1,2012.

التعليقات مغلقة.