تأثير وسائل الاعلام
منذ تسعينيات القرن الماضي، تحول دور وسائل الاعلام من مجرد أداة ناقلة للأخبار حول العالم إلى دور آخر أكبر بكثير، فتحول الناقل إلى فاعل ومؤثر، فأصبحت مهمة الإعلام هي قولبة المجتمعات وحرف الأنظار باتجاه تريده هذه الوسيلة الإعلامية أو تلك، وأصبح الإعلام ذراع العولمة ويدها الضاربة بقوة، فتدخلت وسائل الإعلام بجميع مناحي الحياة سواء كانت السياسية منها أو الاقتصادية أو الاجتماعية.
تنبه لهذا الأمر رجال المال والاقتصاد، فأصبح لهم شبكاتهم الإعلامية الخاصة، أما الأحزاب السياسية حول العالم فهذه حكاية أخرى، فقد أصبح لكل حزب سياسي قناة إعلامية ناطقة باسمه، وتعمل هذه القناة على إظهار محاسنه ومثالب خصومه السياسيين، بل وتشحن مُؤيديه عاطفياً وتُؤدلجهم لكي يلقوا بأصواتهم مرةً أخرى لصالحه في صندوق الاقتراع.
لم يقتصر دور الأذرع الإعلامية على رجال الساسة والاقتصاد، بل تعداهم ليصل للأمور المجتمعية، فأصبح هناك إعلام اجتماعي له رجالاته وفارساته، وبرامجهم تعدت نطاق المحلية لتصل للعالمية، وازدهر هذا النوع من الإعلام ليشكل ضغط كبير على ميداني السياسة والاجتماع، وخصوصاً في دول العالم الأول، فعلى سبيل المثال لا الحصر، يُعدُّ الإعلامي الأمريكي ” ستيف هارفي” من أشهر الوجوه الإعلامية على الساحة الأمريكية والعالمية، وحظي برنامجه” اسأل ستيف” على شهرة جارفة، أما مواطنته ” أوبرا وينفري” فليست أقل شهرةً منه، حيث أن برنامجها “Oprah Winfrey show ” قد حصل على أعلى تصنيف[1] لبرنامج حواري اجتماعي في تاريخ التلفزيون الأمريكي.
دور وسائل الاعلام:
ومع انتشار وسائل الاعلام وخصوصاً التلفزيونية منها بطريقة كبيرة، فقد لزم أن يكون هناك ضوابط قانونية تؤطر عمل تلك القنوات، فمنذ بداية الألفية الجديدة دخلت الخصخصة لوسائل الاعلام بشكل كبير، وأصبحت في متناول كل من يملك المال، ومن أهم الأسباب التي أدت لهذا التغير هو الطفرة التكنولوجية والرقمية التي أصابت العالم، ومن الناحية القانونية يوجد هناك العديد من الضوابط القانونية التي يجب على وسائل الإعلام الالتزام بها، وهي[2]:
- صدق الخبر وموضوعية الرأي: والصدقية تعني نشر الأخبار الصحيحة، والموضوعية تقتضي تقديم الرأي والرأي الآخر، والصحفي ملزم بموجب القانون بتقديم الأخبار الصحيحة، أما في حال قدم معلومات ملفقة فإن القانون يعاقب عليها.
- الالتزام بمبادئ المجتمع والحفاظ على مقوماته: تضمنت العديد من التشريعات إلزام الإعلامي بالحفاظ على مقومات المجتمع ومبادئه، وحملت الصحفي مسؤولية الخروج عن ذلك، ومن مثل ذلك اشتمال التشريعات على الدعوة إلى التضامن الاجتماعي، وعدم التفرقة الطائفية والعنصرية، وعدم المساس بالأديان السماوية، أو التحريض على ارتكاب الجرائم، أو الإخلال بالأمن، أو التهجم على السلطة والمسؤولين الكبار، أو الإساءة إلى النظم الصديقة والشعوب الأخرى، وهي مسؤولية أخلاقية لدى العاملين في وسائل الاعلام.
- حماية كرامة المواطنين وسرية حياتهم الشخصية: ويعني ذلك عدم المس بالناس وكرامتهم أو الإعلام عن شؤونهم الخاصة والسرية وعدم الحط من قدرهم، وعدم التشهير بهم بين أبناء المجتمع.
- حسن سير العدالة: من حق المتلقي أن يطّلع على أخبار الجرائم والتحقيقات والمحاكمات لكي يشعر بالأمن والاطمئنان إلى أن الجناة لم يفلتوا، وإلى أن يد العدالة قد طالتهم، وعملت على وضع الحق في نصابه، لكن تطرف وسائل الإعلام ومبالغاتها بما تنشره عن الجرائم قد يؤدي إلى حرمان المتهم من محاكمة عادلة، ومن هذا المنطلق تنطلق التشريعات إلى التشديد في مسألة نشر أخبار التحقيقات مراعاةً للنظام العام، او نشر وقائع المحاكمات السرية، أو إذاعة معلومات تؤثر على مجرى سير المحاكمة أو التأثير على هيئة المحكمة، أو إذاعة أسماء المتهمين إلا بالحروف الأولى في بعض الأحيان.
- المحافظة على سر المهنة: وتشير إلى الحفاظ على سرية المصادر التي يستقي منها الإعلامي أخباره، وقد يطّلع الصحفي رئيس التحرير على مصادره إذا ما سمح له القانون بذلك من باب أن رئيس التحرير لا ينشر مادة دون التأكد من صحتها، وتنص بعض القوانين أن المحكمة لها الحق بالاطّلاع على مصادر الصحفي.
- حق التصحيح ونشر البلاغات: عادة تنص قوانين المطبوعات والنشر على حق الإنسان في الرد على ما تنشره الصحيفة أو تصحيحه أو توضيحه، ويكون النشر بغير مقابل لنفس العدد من الكلمات وفي بعض الأحيان في نفس المكان، ويعتبر هذا حقاً في الدفاع عن المصالح الشخصية وإطلاع الرأي العام على الحقائق، وبعض القوانين العالمية تميز بين حق التصحيح وحرق الرد، فحق التصحيح يقتصر على الأفراد، في حين أن بعض القوانين تنص على نشر البلاغات الرسمية.
- الالتزام بآداب مهنة الإعلان: يعتبر الإعلان مادة اتصالية مدفوعة الأجر، وتتسابق وسائل الإعلام للحصول عليه لما يوفره من كسب مادي، لذا تعمل قوانين المطبوعات على تقييد نشر وإذاعة الإعلانات بصورة تحول دون إيقاع الأذى على أفراد المجتمع، أو الإخلال بالأمن الاجتماعي والصحي للمتلقين.
وظائف وسائل الاعلام [3]:
- القيام بالتعبئة العامة في مختلف المناطق فيما يتعلق بعمليات الإصلاح القانوني عن طريق مراجعة السياسات والبرامج الحكومية لرؤية مدى وملاءمتها لطموح المجتمع، وتسليط الضوء على الممارسات والتشريعات التي تسخر التمييز في جميع القطاعات والمجالات السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية، بهدف الدعوة إلى موائمة التشريعات الوطنية للنصوص الإعلامية.
- محاربة الشائعات وعدم نشرها في وسائل الاعلام، خاصةً تلك المتعلقة بالأمن الوطني والقومي، وتجاهل الإشاعات ومحاسبة مروجيها نظراً لما لها من تأثير سلبي على صحة المتلقين النفسية، وتبث الرعب بين أبناء المجتمع، كما يجب توضيح ماهية تلك الشائعات وبث الأخبار الصحيحة التي تفند تلك الأخبار المزيفة.
- متابعة وتغطية التقارير والأخبار والأنشطة المحلية والوطنية والإقليمية والعالمية التي تعنى بحقوق الإنسان، بهدف التوعية بالقوانين الدولية المعنية بحقوق الإنسان، ونشر الوعي بين أبناء المجتمع لمعرفة حقوقهم والتعرف على واجباتهم، كما أن ذلك يتصل بحقوق المرأة والطفل، والتعريف بالآليات الدولية والإقليمية والوطنية التي تحمي هذه الحقوق.
- تقديم محتويات لأبناء المجتمع تفيدهم في حياتهم اليومية خاصةً فيما يتعلق بالعنف ضد المرأة والأطفال، ونشر ثقافة الوعي بين هاتين الفئتين عبر تخصيص برامج تطلعهم على حقوقهم المدنية، وتشجيعهم على رفض العنف الممارس ضدهم في البيئة الاجتماعية المحيطة بهم.
- التوعية بالخدمات والحقوق الأساسية وحماية الحريات العامة، والكشف عن الفساد والفاسدين ومنع إفلات مرتكبيه من العقاب، وإقامة المساءلة، وتعزيز سيادة القانون وكشف الحقائق، ومنع تضليل الرأي العام لأجل تمكين المجتمع من الحصول على محتوى ومضمون إعلامي دقيق وصادق.
- بث ثقافة الوعي القانوني بين أبناء المجتمع، وتوضيح صور المخالفات القانونية التي يرتكبها أبناؤه دون قصد أو علم بأنهم ينتهكون القوانين التي وضعتها الدولة، ويتم ذلك عبر تقديم البرامج التوعوية المتصلة بالقوانين وإعلام المجتمع بالتحديثات التي تطرأ على تلك القوانين.
- تنفيذ الحملات الإعلامية بالتعاون مع المؤسسات المعنية بالقوانين والتشريعات الاجتماعية بهدف رفع الوعي بالقوانين أو بأجزاء منها لمختلف فئات المجتمع.
- تخصيص زوايا معينة لتقديم الاستشارات القانونية المتعلقة بالأسرة والنساء فيما يتعلق بالانتهاكات التي تتعرض لها النساء في المجتمع سواء كان على الصعيد الأسري أو الصعيد المجتمعي.
- عقد اللقاءات الصحفية والمقابلات التلفزيونية مع خبراء ونشطاء حقوق المرأة ومع الجهات والمنظمات المسؤولة عن الآليات الوطنية لحماية حقوق المرأة.
- عرض الملفات الشائكة التي تخص العمال في المجتمع وتوضيح الحقوق الواجبة لهم وكيفية الحصول على تلك الحقوق بالوسائل القانونية.
- تقوم وسائل الاعلام بجانب هام فيما يتعلق بشرح وتفصيل القوانين التي تصدر وفق مراسيم خاصة من قبل حاكم البلاد، وتتولى هذه الوسائل إعلان المراسيم في بيان خاص بها لكافة المواطنين، بشكل إعلان صريح وواضح.
- تتولى وسائل الاعلام شرح القوانين المتعلقة بالانتخابات المحلية للمجالس النيابية أو المجالس المنتخبة كالانتخابات البلدية، وتوضيح الإجراءات المتّبعة بالتفصيل خشية الوقوع بأخطاء غير مقصودة.
المراجع:
[1] https://web.archive.org/web/20121026134809/http://www.foxnews.com/story/0,2933,548320,00.html
[2] حسونة، نسرين (2012م)، تشريعات الإعلام الجديد، مكتبة العلياء للنشر والتوزيع، عمّان، الأردن، ص121.
[3] بيرغر، آرثر آسا (2012م)، وسائل الإعلام والمجتمع، ترجمة: صالح خليل أبو إصبع، سلسلة عالم المعرفة، سلسلة كتب ثقافية شهرية تصدر عن المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، ص192- 195.
التعليقات مغلقة.