نظرية النافذة المكسورة؛ 4 استعمالات في الحياة

340

نظرية النافذة المكسورة تتجسد عندما قام أحمد ومحمد بكسر إحدى النوافذ في منزليهما متعمّدَين، وكانا يقومان بهذا الفعل لأول مرة ولا يملكان توقعاً لما سيترتب عليه من جزاء، فقد يكون العقاب خفيفاً أو ثقيلاً، وقد لا يستدعي الأمر أي عقاب من الأساس. عندما سمعت والدة أحمد صوت تكسُّر زجاج اتجهت قاصدةً مصدر الصوت، رأته يقف إلى جانب النافذة فسألته عما إذا كان هو من قام بذلك أو لا، فأخبرها الحقيقة ثم نال عقاباً جرّاء تصرفه الذي أدرك للتو أنه خاطئ ويجب ألّا يتكرر، لاسيما عندما رأى أنه تسبب بإهدار مال ووقت وجهد والديه لإصلاحه. أمّا محمد فبعد أن علمت والدته أنه هو من كسر النافذة كان رد فعلها بارد لا يشوبه أي تأنيب، ولم تقم فيما بعد بمحاولة إصلاحه، هنا فهم محمد أن هذا السلوك طبيعيّ رائج ولا ضرر فيه.

نظرية النافذة المكسورة
نظرية النافذة المكسورة

بدايةً كان الطفلان متوجسَين، هل ستتم معاقبتنا؟ وإن كنا سنعاقب فهل سيكون تأنيباً لفظياً أم ضرباً مبرّحاً؟ كانا تماماً كمن يجسّ النبض بذلك التصرف ليُقرّرا بناءً على عواقبه هل يعاودانها أم ستكون تلك التجربة الأولى والأخيرة؟ بناء على ردود الفعل التي تلقيانها؛ عُوقِبَ أحمد فتأدّب بينما أمِن محمد العقاب فأساء الأدب.

لماذا النافذة المكسورة؟

في الحقيقة لم يكن اختيار النافذة عبثياً، ففي عام 1982 قام عالمي الجريمة جيمس ويلسون وجورج كلينج بوضع نظرية أطلقوا عليها نظرية النوافذ المكسورة، وكانت قائمة في الأصل على تجربة أجراها عالم النفس والإجتماع فيليب زيمباردو عام 1969، حيث ترك سيارتين مفتوحتا الأبواب وبلا لوحات أرقام، إحداهما في منطقة فقيرة والأخرى في منطقة غنية، في المنطقة الفقيرة تعرضت السيارة للسرقة والتخريب بسرعة كبيرة مقارنة بالمنطقة الغنية، فبحسب التجربة في المنطقة الغنية توجب على زيمباردو تكسير زجاج السيارة حتى تبعه الناس بالتدمير.

نظرية النافذة المكسورة
نظرية النافذة المكسورة

وفي صياغة أخرى رائجة للتجربة، يقال أن اعتياد السكان على منظر عشوائي يجعله غير عشوائي بل وطبيعي، فالتأقلم مع شكل الأشياء المدمرة يتسبب في مزيد منها، بينما شعور الحاجة لإصلاحها الذي سيتسبب بدوره بخسارة الوقت والمادة يجعل الأمر يبدو غير عادي ولابد من تجنبه.

قد يهمك: الإدمان على المخدرات وأثره على الأسرة

نظرية النافذة المكسورة

نظرية في العلوم الاجتماعية وعلم الجريمة، تنص على ضرورة عدم إهمال حل أي مشكلة مهما صغرت أو التساهل في معالجتها لأن ذلك سيغير في سلوكيات ومواقف وتصرفات الناس سلباً، فيضاعف من حجم المشكلة ويزيد الأمر سوءاً، فالسلوكيات الفردية الخاطئة عندما تتزايد تشكل في مجموعها مجتمعاً ذو سلوكيات خاطئة، والعنف الصغير يولد العنف الأكبر، ولو تفشت في نطاق مجتمعي معين سلوكيات اجتماعية منحلة، وممارسات ضد البيئة، والسرقات والجرائم، فإن التقائها في نقطة ما بعد فترة زمنية معينة سيولد سيلاً من العادات اللاأخلاقية، لذلك يجب التصدي للخطأ الصغير كي لا نضطر لدفع ثمن إهماله في محاربة الأكبر منه فيما بعد، فالصغير يكبر، والأُلفة تخلق عادة، والعنف يولد العنف.

نظرية النافذة المكسورة في العلاقات الإنسانية

تطبق هذه النظرية في العلاقات الإنسانية أيضاً، فالتقصير يمكن أن يُبرر، والنسيان يمكن أن يُغفر، والخطأ الصغير يمكن أن يُصفح عنه، والزّلّات يمكن تجاوزها، وفي قول لجعفر بن محمد، قال: إذا بلغك عن أخيك الشيء تنكره، فالتمس له عذرًا واحدًا إلى سبعين عذرًا، فإن أصبته، وإلا، قل: لعل له عذرًا لا أعرفه. ويقول الحسن البصري: (كانوا يقولون: المدَاراة نصف العقل، وأنا أقول هي العقل كلُّه). وهذا في العلاقات الإنسانية عامة، فكيف بالأخص منها.

لنا أن نلاحظ أن المشاكل الكبيرة في العلاقات الزوجية إنما هي تراكم لمشاكل صغيرة لم يتم حلها، حيث بدأ الأمر صغيراً لكن ترك دون معالجة فكبر، كزجاج خُدِش ولم يقبل أحد على إصلاحه فتهشّم بالكامل. قال أبو الدرداء رضي الله عنه لزوجته: (إذا رأيتني غضبت فرضني وإذا رأيتك غضبى رضيتك وإلا لم نصطحب)، فتمام الصحبة والعلاقة كان شريطة التراضي العاجل دونما تراكم.

 نظرية النافذة المكسورة في الأعمال

إذا لم تتم مراقبته الأداء غير المسؤول للعاملين في قطاع ما، و لم توضع عقوبات لردعهم، فإن ذلك سيُسوّغ اللامبالاة ويجعل من عدم الالتزام روتينياً في ممارسة العمل، فالتجاوز عن تأخر موظف عن عمله عدة مرات سبب لتأخر آخرين، والتغاضي عن عدم إتمام العمل بالاحترافية المطلوبة قبل موعد التسليم النهائي يُضعِف من أداء الموظف ويخفض أيضاً من سقف توقعات المدراء والمراقبون، وهكذا دواليك.

نظرية النافذة المكسورة في البيئة

إن عدم العناية بالمرافق العامة والمنتجعات والحدائق سبب في تدهورها وتحولها من أماكن تُقصَد إلى أماكن فوضوية مهجورة تشكل عبء على البلديات، لذلك يمكن فرض غرامات مالية للحد من العبث فيها، كما تجب صيانتها دورياً من قبل الجهات المعنية، وصيانة المرافق العامة ووسائل النقل الخاصة والعامة للتقليل من الحوادث والخسائر البشرية والمادية.

نظرية النافذة المكسورة في المجتمع

انخفضت معدلات الجريمة في نيويورك في ثمانينيات القرن الماضي، نتيجة لتطبيق مفوض شرطة نيويورك لنظرية النافذة المكسورة، منطلقاً من قناعته بالحاجة إلى استعادة النظام للحد من الجريمة، لأن الجريمة نابعة من الفوضى، والحدّ من الفوضى سيحدّ من الجرائم.

نظرية النافذة المكسورة
نظرية النافذة المكسورة

لطالما كانت جهود الشرطة مركزة ومتجهة نحو  الجرائم  الخطيرة، كالاغتصاب والقتل والسرقات الكبيرة وغيرها، إلا أن ميدان العدالة الجنائية أدرك لاحقاً أن الجريمة نتاج الفوضى، وهي تنتقل من المنزل إلى الشارع ومنهما إلى المجتمع، قلبت هذه الحقيقة الموازين فأُعيد النظر في الموضوع في محاولات حثيثة لاقتلاع البذرة الفاسدة التي تبثّ عدواها في المجتمع، فكانت البداية في فرض الضرائب على رمي المخلفات في غير أماكنها، وملاحقة العابثين ومثيري الشغب من المراهقين، ومراقبة الشرب العلني في الأماكن العامة، والتسول والدعارة والتصدي لها، معوّلين بذلك على أن التأنيب والتأديب والترويض تفضي في نهاية المطاف إلى عادات وسلوكيات صحية وسليمة على الصعيدين النفسي والمجتمعي.

اقرأ أيضاً: البناء الاجتماعي للجريمة والسلوك المنحرف

في الختام نقول أننا تعرفنا على أساس نظرية  النافذة المكسورة ، وأخذنا العديد من الأمثلة على تشكلها واستعمالاتها سواءً في المجتمع أو في البيئة أو حتى في الأعمال التي نمارسها، وفي النهاية نشكرك عزيزي القارئ على إكمال هذا المقال، ونرجو أنه قد أوصلك للفائدة المرجوة.

التعليقات مغلقة.