طوق الحمامة… 4 علامات تدل على الحب

16

 

الحبّ …. هذه الكلمة بكلّ ما تحمله من أسرار، وكلّ ما تخفيه من معاناة، وكلّ ما تجلبه من أفراح وأتراح، فما أن يُصاب الإنسان بالحب إلا وتتبدّل أحواله، وتتغيّر هيئته، وتتحولّ شؤونه، فالحب يحمل صاحبه ويرتقي به إلى النجوم ويودي به أحياناً إلى الهاوية.

لماذا “طوق الحمامة”، ولماذا “الحمامة” أصلاً كاسم للكتاب؟

قد يستغرب القارئ للوهلة الأولى من اسم الكتاب “طوق الحمامة في الأُلفة والأُلَّاف” فيدور في ذهنه سؤالٌ:

ما علاقة الحمامة وطوقها بالحب ومعانيه ودرجاته؟

حقيقةً لا علاقة مباشرة بينهما، ولكن تعالَ نحلّل سويّة لنكشف الرابط ما بين الحب وطوق الحمامة والحمامة نفسها، فعندما نُلبس الحمامة طوقاً ما فإنّنا بذلك نزيد من جمالها، وهذا الطوق يلازمها طيلة حياتها، وكأنّ الكاتب “ابن حزم الأندلسي” أراد أن يخبرنا من خلال هذا العنوان أن الحب مثل طوق الحمامة يجب أن يكون ملازماً للإنسان طيلة حياته، أو أن هذا الكتاب مهمّ وجميل، فكأنه بين الكتب الأخرى مثل الطوق بالنسبة للحمامة!

أمّا لماذا اختار الحمامة فيمكن القول: بسبب رمزيّتها التاريخية في العديد من الثقافات والحضارات، فهي مثلاً الحيوان الذي أرسله نوح في قصة الطوفان ليستكشف المدى الذي سترسو عنده السفينة، وهي التي كانت جنباً إلى جنب مع أفروديت (إلهة الحب والجمال في الأساطير اليونانية)، كما كانت الحمامة أيضاً مساعدة لفينوس (إلهة الحب والجمال أيضاً عند الرومان)، وكأن ابن حزم أراد أن يحدّثنا عن العلاقة بين الحبّ والجمال.

 

من أين جاء الكتاب

“طوق الحمامة في الأُلفة والأُلَّاف” كتاب ألّفه  ابن حزم  الظاهري الأندلسي، وهو أديب وشاعر وفقيه وناقد وفيلسوف أيضاً، وُلد في قرطبة في الأندلس سنة 384 هــ \ 994 م، وتوفي في بادية لَبلَة جنوب إسبانيا حالياً سنة 456 هـ \ 1064 م.

تصوّر أنّ سبب تأليف هذا الكتاب في الأصل هو لتسلية صديقٍ لابن حزم من أبناء البلاط والسلطة والإمارة! فالكتاب عبارة عن رسالة ألفها ابن حزم نزولاً عند رغبة صديقه عبيد الله ابن أمير المؤمنين الناصر، الذي كلّفه بأن يصنف له “رسالة في صفة الحب ومعانيه وأسبابه وأعراضه، وما يقع فيه وله على سبيل الحقيقة”، ولم يكن في ذلك الوقت سبيل للتسلية واللّهو لهذه الطبقة الرفيعة من الناس أفضل من هذ النوع من الكتب. بالطبع لبّى ابن حزم على الفور رغبة صديقه وكان مُحرَجاً بعض الشيء، فقام ابن حزم بتأليف الرسالة، مقتصراً فيها على ما عرفه وخبره من الوقائع والحوادث والمواقف، مبتعداً عن الخيال وأوهام القُصَّاص، ومتجاوزاً ما زخرت به أخبار الأعراب من قصص العشاق ومآثر المحبِّين وآلامهم وعذاباتهم.

 

كيف يعلّمنا “طوق الحمامة”  الحبّ

  • الحبّ والوَصْل:

يتّسم كتاب طوق الحمامة  بسخاء المؤلف وشغفه الشخصي ومعاييره الأخلاقية والتزامه القوي بالإسلام، وذلك يظهر بوضوح مثلاً في تعريف ابن حزم للحب: “الحب — أعزك الله — أوله هَزل وآخره جِد، دقَّت معانيه لجلالتها عن أن تُوصف، فلا تُدرك حقيقتها إلا بالمعاناة، وليس بمُنكَر في الديانة، ولا بمحظور في الشريعة، إذ القلوب بيد الله”.

ثم نرى ذلك في تعريفه للوَصْل بأنَّه من وجوه العِشقِ، وهو حظ رفيع، ومرتبة سريَّة، ودرجة عالية، وسعد طالع، بل هو الحياة المجددة، والعيش السنيُّ، والسرور الدائم، ورحمة من الله عظيمة.

طوق الحمامة

 

وقد قسَّم ابن حزم كتابه هذا إلى عدد من الأبواب؛ منها ما هو مألوف مثل باب في علامات الحب، وباب ذِكْر مَنْ أحب من نظرة واحدة، وباب ذِكْر مَنْ أحب بالوصف، وباب الإشارة بالعين، وباب المراسَلة، وباب السَّفير أو الوسيط أو المرسال، وباب القنوع، وباب الوفاء، وباب الغدر، وباب الضَّنى.

ومنها بعض الأبواب الغريبة والطريفة مثل: باب الحب في النوم، وباب الصديق المساعد، وباب فيه ذِكْر من لا تصحُّ محبته إلا مع طول المدَّة، باب مَنْ أحب صفةً لم يُحب بعدها غيرها مما يخالفها.

طوق الحمامة كيف نحب؟
طوق الحمامة لابن حزم الأندلسي
  • علامات الحبّ

ولكن كيف نستطيع أنْ نميّز الشخص الواقع في الحب عن غيره؟

طوق الحمامة وعلامات الحب
علامات الحب بكتاب طوق الحمامة

الجواب موجودٌ في كتاب ابن حزم؛ من خلال علامات الحب التي ذكرها، ومنها:

  • إدمان النظر: فالعين هي التي تعبّر عن بواطن النَّفس، فترى الناظر لا يطرف، يتنقَّل بتنقُّل المحبوب، وينزوي بانزوائه، ويميل حيث مال كالحرباء مع الشمس.
  • الإقبال بالحديث: فلا يُقبل سوى على محبوبه ولو تعمَّد غير ذلك.
  • الإنصات لحديثه إذا حدَّث، واستغرابُ كل ما يأتي به وكأنه عينُ المحال، وخَرق العادات، وتصديقه وإن كذب، وموافقتُه وإن ظلم، والشهادة له وإن جار، واتباعُه كيف سلك وأيَّ وجه من وجوه القول تناول.
  • ومنها أيضاً الإسراعُ بالسيرِ نحو المكان الذي يكون فيه، والتعمُّد للقعود بقُربه والدنو منه، واطِّراح الأشغال الموجبة للزوال عنه، والاستهانةُ بِكل خَطْب جليل داعٍ إلى مفارقته، والتباطؤ في الشيء عند القيام عنه.

وذكر ابن حزم عدّة أمور من الآفات الداخلة على الحب التي قد تفسده، ومنها: العاذل، الرقيب، الواشي، الهَجْر، البَيْن.

بعد كل ذلك ختم ابن حزم كتابه ببابَيْن حضَّ فيهما على طاعة الله، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهما: باب الكلام في قبح المعصية، وباب في فضل التعفف.

وقد تحدث فيهما عن العفة، وترك المعاصي والفواحش، والخوف من الله، والابتعاد عن الفتن والفجور، وغض البصر.

التعليقات مغلقة.