الهوية العربية الأحوازية في إيران

69

الهوية العربية وتفرعاتها:

قبل الحديث عن الهوية العربية بشكلها الحديث بعد قيام الدول العربية، وَجًب علينا الإجابة عن تساؤلات حول العرب وماهيتهم، فمن هم العرب؟ يوجد العديد من التعريفات التي تناولت العرب ولكن يمكننا القول عموماً أن العرب تاريخياً هم سكان المنطقة الجغرافية المعروفة تاريخياً باسم ” شبه الجزيرة العربية”، والتي تمتد اليوم على الدول التالية: المملكة العربية السعودية، الإمارات العربية المتحدة، الكويت، البحرين، قطر، عمان واليمن، وهذا هو أصل العرب قديماً، وينطق العرب اللغة العربية ويكتبون بها وتتميز عن باقي لغات العالم بوجود حرف الضاد فيها، وتنقسم العرب إلى قسمين: جنوبي وشمالي أو قحطاني وعدناني، فالقحطانيون يرتدون بأصولهم إلى جدهم قحطان من اليمن، والعدنانيون يرتدون إلى جدهم عدنان من الحجاز، وكلاهما ينتسبون لنسل سامي( نسبة إلى سام بن نوح عليه السلام).

التوزع السكاني للعرب حديثاً:

بقي العرب يسكنون شبه الجزيرة العربية وقسم بسيط في إقليم بلاد الشام والعراق إلى حين نزول الرسالة الإسلامية، حيث اعتنق العرب الإسلام وبدأت دولتهم بالتوسع عن طريق الفتوحات ووصلوا إلى أماكن بعيدة في آسيا وافريقيا وأوروبا، ويمكننا القول أنه بعد نشوء الدولة الحديثة والتي تبلورت في النصف الثاني من القرن العشرين، أصبح العرب يتوزعون على 22 دولة تمتد من الخليج العربي وصولاً للمحيط الأطلسي.

الصراع بين الهوية العربية والهوية الفارسية داخل إيران

يعيش في إيران حوالي 6 مليون مواطن عربي، ويسكن غالبيتهم في منطقة الأحواز ” عربستان”، والقومية العربية في إيران ليست قومية مهاجرة، بل يسكنون في أرضهم وكانت لهم دولة تسمى الدولة الكعبية، وبقيت دولة مستقلة إلى أن احتلها الشاه رضا بهلوي في العام 1925م.

يوجد في إيران العديد من الهويات الفرعية المبنية على أساس عرقي، ففيها الهوية العربية والهوية البلوشية والكردية والأذرية، وتجتمع هذه الهويات كلها_ رغماً_ وتذوب في الهوية الوطنية الفارسية التي تقوم عليها دولة إيران.

تتعاظم مشكلة صراع الهويات الفرعية في إيران ومنها العربية مع الدولة المركزية في طهران، فالهوية العربية في إيران تسعى لأن يكون لها شكل من أشكال الاستقلالية في الحكم، سواء كإقليم ذاتي الحكم على غرار كردستان العراق، أو دولة مستقلة بذاتها كما الدول التي انفكت عن اتحاد يوغسلافيا سابقاً، وتقابل هذه الرغبة التحررية للهوية العربية بالقمع من السلطة الحاكمة والتي تسعى بدورها لصهر كل الهويات في بوتقة الهوية الفارسية شيعية المذهب، والملاحظ هنا أن الهوية القومية عند عرب إيران تطغى على الهوية الدينية، فبالرغم من أن غالبية عرب إيران يدينون بالمذهب الشيعي وهو المذهب الرسمي لدولة إيران، إلا أنهم أكثر قرباً من الدول العربية سنية المذهب منها إلى إيران.

مقومات الهوية العربية في إيران:

حاولت السلطات الإيرانية منذ احتلال الشاه رضا بهلوي للدولة العربية الكعبية في الأحواز محو مظاهر الهوية العربية لدى الأحوازيين، بل وفرضت عليهم سياسات تغريب ثقافي كاملة، وعلى الرغم من كل تلك السياسات فقد حافظ العرب على هويتهم، فبالنسبة للغة يتكلم معظم سكان الأحواز اللغة العربية بلهجة خليجية وعراقية، أما من ناحية ثقافة اللباس، فما زالت الهوية العربية في بلاد فارس ظاهرة للعيان، ويستطيع أي شخص يمر في مدينة في الأحواز أن يعرف أنها عربية بسبب لباس أهلها من الرجال المتمثل بالثوب العربي التقليدي والشماغ والعقال، تلبس النساء ثياب طويلة تستر البدن كله وغالباً ما تكون ذات لون أسود وتسمى وتسمى العباءة أو الشادور، والمجتمع العربي يميل للترميز في الكثير من مناحي حياته، فالملابس تعتبر دليل لكون الشخص مناسب للعلاقات الاجتماعية سواءً من حيث العمل أو الصداقة أو المصاهرة، مع الأخذ بعين الاعتبار الملابس قد لا تصنع الإنسان ولكنها تقوم على تقوية الاتصال بين أبناء الهوية الواحدة.

أما من ناحية النسب فينتمي معظم الأحوازيين لقبائل عربية معروفة ك بني كعب وبني لام وقبيلة شمَّر وتميم، وحتى في الموسيقى والأغاني مازال عرب الأحواز ينسجون نمط من الأغاني الشعبية التراثية العربية ويشيعونها بكثرة في مناسباتهم وخاصةً في أعراسهم ويسمى هذا النمط من الأغاني ” الأبوذيات”. والجدير بالذكر هنا أن الهوية الفرعية العربية المتمثلة بالرابط القبلي أقوى بكثير من الهوية الجمعية المتمثلة بالدولة الإيرانية في الأحواز بشكل خاص وعند عرب إيران بشكل عام.

الهوية العربية وسياسة التفريس:

دأبت الحكومات المتعاقبة في إيران على محاولة سحق الهوية العربية وإحلال الهوية الفارسية بديلاً عنها، فقد تم منع العرب من لبس لباسهم التقليدي، كما منعت عرب الأحواز من تسمية مواليدهم بأسماء عربية باستثناء تلك الأسماء التي تحمل دلالة دينية في المذهب الشيعي، كما أنها منعت تعليم اللغة العربية في المدارس، بل وحاربت كل من يسعى لتعليمها وقد تصل العقوبة أحياناً للمخالفين لقرار المنع حد الإعدام، وقامت بإجراء عمليات تهجير قسري للمكون العربي في بعض المدن العربية وإحلال مواطنين فرس بدل العرب وفق خطة ممنهجة في التغيير الديمغرافي لطمس الهوية العربية في الأحواز

يمكننا القول أن العلاقة بين الهوية العربية والدولة في إيران علاقة تصادمية مبنية على القمع من ناحية الدولة، وعلى الثورة من ناحية العرب.

الهوية العربية وردة الفعل على فرض الثقافة الفارسية:

لم يقف العرب في إيران مكتوفي الأيدي في ظل سياسة الدولة التي تهدف للقضاء على الهوية العربية للأحوازيين، وكان هناك العديد من العوامل التي ساهمت بتقوية الهوية العربية وصمودها وهذه العوامل كانت متنوعة، فمنها ما كان عسكري عن طريق قيام ثورات مسلحة ضد الهيمنة الفارسية، ومنها ما كان اجتماعي عن طريق التمسك باللغة والحرص على تلقينها لأبنائهم وتعليمهم إياها، وبقاؤهم مرتبطين ارتباطاً عضوياً مع زيهم التقليدي وفنونهم الشعبية، وتعدى الأمر ذلك ليصل للحفاظ على نمط المأكولات العربية المعروفة وتداولها بين الأجيال.

الهوية العربية في إيران

العلاقة بين الهوية العربية الأحوازية والهوية العربية الكبرى:

مع الأسف يمكننا القول أن التواصل بين الأحوازيين وباقي العرب في الوطن العربي كانت قليلة بسبب السياسة التعسفية الإيرانية، ولعل أبرز نقطة تواصل هي مطالبة زعماء عشائر عرب الأحواز جامعة الدول العربية الوقوف معهم ضد سياسات فرض الثقافة الفارسية واضطهاد المكون العربي في الخمسينيات من القرن الماضي، وحديثاً أصبح هناك العديد من الصحف والمجلات الالكترونية والورقية الناطقة بالعربية، والتي أسسها معارضون عرب أحوازيون، ويهدفون من خلالها للتواصل مع العرب على اعتبار أن الهوية العربية الكبرى هي الهوية الأم للهوية العربية الأحوازية.

الخاتمة:

الهوية العربية في إيران ليست هوية طارئة، وليست مهاجرة، فالعرب في إيران هم أبناء هذه المنطقة، والصراع الهوياتي بين الهوية العربية والهوية الجامعة الممثلة بالدولة لا يمكن تصنيفه على أنه تمرد من هوية فرعية تجاه الهوية الجامعة الممثلة بالوطن، لكن الإيرانيين يعدون قوة احتلال قامت بالسيطرة على هذه المناطق والتي كانت تعد إمارة/دولة بحد ذاتها، وقامت بمحاربة هوية أبناء هذه المنطقة سواء بلغتهم أو لباسهم أو عاداتهم وتقاليدهم، ومع كل هذه المحاربة والتضييق على أبناء المنطقة إلا أنهم تمسكوا بهويتهم وحافظوا عليها، وشوارع الأحواز اليوم تخبرنا عن هذه الحقيقة المُطلقة.

التعليقات مغلقة.