الحرب العالمية الثانية؛ الأسباب والأحداث والنتائج

60

الحرب العالمية الثانية كانت بداية رسم خارطة العالم الجديد وفرض سيطرة دول وهيمنتها على مناطق مختلفة من العالم، فما الحرب سوى تعارض مصالح واختلاف القوى العظمى حول نتائج الحرب العالمية الأولى التي فرضت على إثرها معاهدات على الدول المنهزمة قيدتها وقللت من حجمها على كافة الأصعدة السياسية والاقتصادية والعسكرية، فكانت الحرب العالمية الثانية بمثابة رفض تلك الدول لهذه المعاهدات ومحاولةً منها للتخلص منها، ومن هنا تأتي أهمية البحث الذي اخترته بعد بحث ودراسة عميقة في حيثيات الحرب والمرحلة السابقة التي سبقت الحرب، فأهمية هذه المقالة تنطلق من منطلق معرفة ما هي الأسباب التي أدت لنشوب الحرب وما هي الدول المشاركة بها ونتائجها المباشرة وغير المباشرة على رسم الخريطة العالمية

تـمـهـيــد

كانت نتائج الحرب العالمية الأولى عبارة عن معاهدات جائرة فرضتها دول الحلفاء المنتصرة على الدول المنهزمة، وكانت أكثر تلك الدول تأثراً هي ألمانيا التي كانت تشعر بمرارة الهزيمة التي مسّت كرامتها، وظل الشعب الألماني منتظراً بفارغ الصبر لحظة تخلصه من تلك المعاهدات الجائرة التي حدّت من قوة الجيش الألماني والتي قيدت سبل تسليحه وتتلخص تلك المعاهدات بمعاهدة (فرساي)، بالإضافة إلى شركاء ألمانيا في الحرب العالمية الأولى وتلك الدول هي النمسا بلغاريا المجر وتركيا التي حرمتها تلك المعاهدات الظالمة من أهدافها التي كانت تريد تحقيقها.

ولم يمض وقت طويل حتى بدأ الجو السياسي في أوروبا بالإنفجار مرة أخرى لتجد أوروبا نفسها أمام معاهدات من التحالف والصداقة بهدف تجنب الحروب وإقرار السلم، إلا أن هذه الأعمال اصطدمت بعدة عوائق منها طموحات الدول المهزومة في الحصول على مستعمرات وخاصة ألمانيا، كما كانت مصالح الدول الكبرى في حماية مستعمراتها كفرنسا وبريطانيا تعيق كل تلك التحركات، وهنا تركت كل دولة لنفسها فترة لاستتباب الأمن، وبذلك عادت الدول إلى سياسة التوازن الدولي وإلى زيادة جيوشها وأساطيلها عاماً بعد عام وكان كل ذلك تحضيراً لحرب عالمية ثانية تلوح في الأفق.

 

   أولاً: الأسـبـاب غـيـر الـمـبـاشـرة للحرب العالمية الثانية

ونستطيع إيجاز أهم الأسباب غير المباشرة في التالي:

  • الأزمة الاقتصادية:

برزت الأزمة الاقتصادية العالمية سنة 1929م في الولايات المتحدة الأمريكية فكانت ميداناً خصباً لإبراز المظاهر الاجتماعية ومشكلاتها من بطالة وفقر وقلة النشاط التجاري نتيجة تكديس البضاعة وكساد السوق التجاري، فلم تكن هذه الأزمة الاقتصادية نتيجة سياسية الانعزال التي اتخذتها الولايات المتحدة الأمريكية فقط بل كانت نتيجة تلقائية للعلاقات الجديدة بين الولايات المتحدة الأمريكية ودول أوربا بعد الحرب العالمية الأولى، فأعلنت البنوك إفلاسها وبدأ الأمريكيون يسحبون ودائعهم والتي قدر بنحو مليار دولار من بنوك ألمانيا تخوفاً من الإفلاس، فأغلقت البنوك والمصانع وانتشرت البطالة في ألمانيا والنمسا ومن ثم بريطانيا وفرنسا.

 

فكان من الطبيعي نتيجة هذه الأزمة الاقتصادية أن يأخذ الإنتاج الصناعي بطئاً يليه انحطاط التجارة الخارجية وقلة نشاط التصدير إلى خارج الدولة، وكل ذلك يؤدي إلى انتشار البطالة حيث ارتفع في عام 1932م ما يقارب من 30 مليون من العاطلين عن العمل في الدول الأوروبية الصناعية، وهنا نتساءل ماذا تصنع الدول بهؤلاء العاطلين؟

الحرب العالمية الثانية
التجنيد في الحرب العالمية الثانية

لم تجد الدول الصناعية الكبرى حلاً إلا في تجنيدهم في الجيش للتخفيف من أزمة البطالة، ولتواجه الكساد والرغبة في الحصول على المواد الأولية والأسواق كي تفرغ ما لديها من إنتاج فائض.

  • الدكتاتوريات الحديثة:

نشطت القوى المتطرفة في كل من ألمانيا وإيطاليا واليابان ووصلت إلى السلطة نتيجة الكساد الاقتصادي يرافقها سوء الأوضاع الاجتماعية وضعف السلطة السياسية فبرزت تلك القوى المتطرفة بأسماء مختلفة مثل (النازية في ألمانيا، الفاشية في إيطاليا، العسكرية في اليابان).

وتبنت هذه القوى المتطرفة سياسة المجال الحيوي، والتي تضاربت وقتئذٍ مصالحها مع مصالح القوى الاستعمارية القديمة، فبدأ مظاهر الخوف تظهر على المصالح الحيوية عبر أوروبا وآسيا وإفريقيا، وأمام تلك التطورات الحاصلة والتي أحدثتها هذه القوى على الصعيد الداخلي حيث تضاعف الإنتاج الاقتصادي وتكدس وضعف الطلب في داخل تلك الدول، فكان لا مناص أمامها سوى فتح أسواق عالمية جديدة، وهذه الخطوة أدت إلى تفجير الصراع العالمي خاصة بعد انسحاب ألمانيا وإيطاليا من عصبة الأمم المتحدة.

ج. التكتلات السياسية والعسكرية:

كانت نظرية المجال الحيوي التي برزت بعد الحرب العالمية الأولى والتي تأخذ معنىً آخر وهو الاستعمار هي الدافع الحقيقي لظهور تكتلات سياسية ظهرت بمحور برلين روما عام 1936م وانضمت له طوكيو لاحقاً.

فما كان من أوروبا إلا أن ترد على هذا المحور بتشكيل جبهة تحالف ضمت كلاً من فرنسا وبريطانيا والاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة الأمريكية، وأخذ الصراع يأخذ طابع التحدي، وقد شبهت أوروبا نتيجة تلك التحالفات ببرميل من الباردة الذي ينتظر شرارة الإنفجار، وبدأت الدول تحاول كسب ميدان الصراع عبر التسلح وزيادة ترسانتها العسكرية.

د. السباق في التسلح:

حدث الصراع متمثلاً بالسباق في ميدان صناعة الأسلحة الفتاكة والمتطورة أمام المنافسة الحادة بين دول المحور والحلفاء لكسب مناطق النفوذ، ولتزيد من قوتها وفرض إرادتها على الأطراف الأخرى بهدف تحقيق النصر، وتحولت الصناعات من صناعة الجرارات إلى صناعة الدبابات، ومن صناعة السفن التجارية إلى صناعة السفن الحربية، ومن الطائرات التجارية والمدنية إلى الطائرات الحربية، وكان من أهم عوامل اندلاع الحرب العالمية الثانية مخازن ومستودعات الأسلحة فولدت الغرور لدى القوى النازية في ألمانيا والفاشية في إيطاليا والعسكرية في اليابان بأنها ستكسب الحرب في حال خوضها، وما كان من القوى المتحالفة إلا أن ترد بشكل موازي من صناعة الأسلحة لتنافس قوى دول المحور.

هـ. فشل سياسة الترضية : وهي تلك السياسة التي انتهجتها بريطانيا وفرنسا اتجاه ألمانيا النازية بالفترة الواقعة ما بين 1938-1933 فقد بلغت هذه السياسه ذروتها في مؤتمر ميونخ عام 1938 بحيث أرغمت بريطانيا وفرنسا تشيكوسلوفاكيا على التنازل عن إقليم السوديت لصالح ألمانيا وبهذا كانت هذه السياسة سبب رئيسي  لأنها أعطت الفرصة لهتلر في استرجاع قوه ألمانيا العسكرية والاقتصادية.

 

ثانياً: الأسباب المبـاشرة

قبل أن نبدأ في إبراز الأسباب المباشرة نقدم بتمهيد يوصلنا إلى السبب المباشر لوقوع الحرب العالمية الثانية،

فـفـي شـهـر مـارس 1939 دارت مـفـاوضـات مـتـعـثـرة بـيـن بـريـطـانـيـا، فـرنـسـا والاتـحـاد الـسـوفـيـاتـي، وفـوجـئـوا فـي 23 من شهر أغسطس عام 1939 بـنـبـأ عـقـد مـعـاهـدة عـدم اعـتـداء بـيـن ألـمـانـيـا والاتـحـاد الـسـوفـيـاتـي لـمـدة 10 سـنـوات، واحـتـوت عـلـى بـنـد سـري يـقـضـي بـتـقـسـيـم بـولـونـيـا فـيـمـا بـيـنـهـمـا وكـذا دويـلات الـبـلـطـيـق.

كـمـا بـذلـت مـحـاولات قـويـة لـلـتـوسـط بـيـن (ألـمـانـيـا وبـولـونـيـا) لـحـل مـشـكـل مـيـنـاء “دانـزيـغ” لكـن الـزعـيـم الألـمـانـي “هـتـلـر” ( 1889 – 1945 ) رفـض هـذه الوسـاطـة.

 الـسـبـب الـمـبـاشـر

فـي أول سـبـتـمـبـر 1939، زحـفـت الـجـيـوش الألـمـانـيـة عـلـى الأراضـي الـبـولـونـيـة دون إعـلان رسـمـي لـلـحـرب، فـأرسـلـت فـوراً كـل مـن الـحـكـومـتـيـن الـبـريـطـانـيـة والـفـرنـسـيـة إنـذارا نـهـائـيـاً إلـى الـحـكـومـة الألـمـانـيـة تـطـلـب مـنـهـا وقـف الاعـتـداء عـلـى بـولـونـيـا، ورفـض “هـتـلـر” فـأعـلـنـت بـريـطـانـيـا وفـرنـسـا الـحـرب فـي 3 سـبـتـمـبـر1939 عـلـى ألـمـانـيـا، وبـذلـك انـزلـق الـعـالـم إلـى أعـظـم حـرب دمـويـة عـرفـهـا الـتـاريـخ هـي : الـحـرب الـعـالـمـيـة الـثـانـيـة.

ثالثاً: انـدلاع الحـرب العـالميـة الثـانيـة ومراحلها

1 – بـدايـة الـحـرب في أوربـا وخـارجهـا: (مرحلة تفـوق المحـور)

* الألـمـان يُـلـحـقـون (بـوهـيـمـيـا) فـي مـارس 1939، والإيـطـالـيـون يـسـتـولـون عـلـى (ألـبـانـيـا) إبريـل 1939.

* الـهـجـوم الألـمـانـي عـلـى بـولـونـيـا فـي  1 سـبـتـمـبـر 1939.

 

الحرب العالمية الثانية
الحرب العالمية الثانية

 

   الـجـبـهـة الـغـربـيـة :

* الهـجـوم الألمـانـي على الـدنـمـارك والنرويـج (إبـريـل1940).

* غـزو الأراضـي الـمـنـخـفـضـة وبـلـجـيـكـيـا فـي  10 مايو 1940 مـن طـرف ألـمـانـيـا.

* دخـول الـقـوات الألـمـانـيـة إلـى “بـاريـس” الـعـاصـمـة الـفـرنـسـيـة فـي 14 يونيو 1940، واسـتـسـلام الـحـكـومـة الـفـرنسـيـة بـقـيـادة “بـيـتـان” فـي 16 يوليو 1940، ثـم نـداء الجـنـرال “ديـغـول” في 18 يوليو 1940 بـعـد فـراره إلـى بريـطـانـيـا.

* دخـول إيـطـالـيـا الـحـرب وهـجـومـهـا عـلـى (الـيـونـان) فـي سـبـتـمـبـر 1940.

* مـعـركـة بـريـطـانـيـا الـجـويـة وصـمـودهـا أمـام الألـمـان / جـويـلـيـة – سـبـتـمـبـر 1940.

 

الحرب العالمية الثانية
الحرب العالمية الثانية في القارة الأفريقية

   فـي إفـريـقـيـا :

* الـحـرب فـي (لـيـبـيـا) بـيـن الايـطـالـيـيـن والبـريـطـانـيـيـن، ثـم وصـول النـجـدة الألمـانـيـة فـي يوليو 1940.

  فـي آسـيـا :

* إنـشـاء الـقـواعـد الـعـسـكـريـة الـيـابـانـيـة فـي (طـونـكـيـن وآنـام) فـي سـبـتـمـبـر 1940.

فـي أوربـا، الـجـبـهـة الـشـرقـيـة :

* الـهـجـوم الألـمـانـي عـلـى يـوغـسـلافـيـا والـيـونـان فـي أبريـل 1941.

* الـهـجـوم الألـمـانـي عـلـى الاتـحـاد الـسـوفـيـاتـي فـي 22 جـوان 1941، وتـقـهـقـر الـقـوات الـسـوفـيـاتـيـة ومـحـاصـرة مـديـنـة “لـيـنـيـنـغـراد”.

 

خـارج أوربـا :

* الـولايـات الـمـتـحـدة الأمـريـكـيـة تـعـلـن الـحـرب عـلـى الـيـابـان فـي ديـسـمـبـر1941 وضـد دول الـمـحـور.

* احتلال الـهـنـد الـصـيـنـيـة مـن طـرف الـيـابـان فـي 1941.

* إغـراق الأسـطـول الأمـريـكـي الـراسـي بـقـاعـدة (بـيـرل هـاربـور) بـجـزيـرة هـاواي فـي ديـسـمـبـر 1941 مـن طـرف الـيـابـان.

2 فـي أوروبـا وخـارجـهـا (مرحلة الـتـوازن) 1942 :

* مـعـركـة سـاخـنـة بـيـن الألـمـان والـروس أمـام “مـوسـكـو” فـي شـتـاء 1941 – 1942.

* الـهـجـوم الألـمـانـي عـلـى روسـيـا الـجـنـوبـيـة، وبـدايـة مـعـركـة “سـتـالـيـنـغـراد” 1942.

* الاحـتـلال الكـلـي لفـرنـسـا من طرف الألمـان سـنـة 1942.

* تـقـدم الألـمـان نـحـو مـصـر، وانـتـصـار بـريـطـانـيـا فـي مـعـركـة “الـعـلـمـيـن” أكـتـوبـر 1942.

* الإنـزال الأنـجـلـو – أمـريـكـي فـي إفـريـقـيـا الـشـمـالـيـة فـي 8 نـوفـمـبـر 1942.

* اجتياح سـنـغـافـورة وأنـدونـيـسـيـا مـن طـرف الـيـابـان والـضـغـط عـلـى أسـتـرالـيـا فـي 1942.

   3 فـي أوربـا وخـارجـهـا (مرحلة الإنـهـزام) 1943 1944 1945 :

* الـفـشـل الألـمـانـي فـي مـعـركـة “سـتـالـيـنـغـراد” فـي 2 نـوفـمـبـر 1943.

* إنـزال الـحـلـفـاء فـي صـقـلـيـة فـي أبـريـل 1943.

* وجود حـمـلة الحـلـفـاء في تـونـس– فـيفـري – مـايو 1943.

* إنـزال الـحـلـفـاء بـالـسـاحـل الـنـورمـنـدي بـفـرنـسـا فـي 6 يوليو 1944، و”مـعـركـة نـورمـنـدي” الـمـشـهـورة 1944.

* تـحـريـر فـرنـسـا وبـلـدان أوربـا الـغـربـيـة / أغسطس حـتـى نـوفـمـبـر 1944.

* تـحـريـر أوكـرانـيـا وروسـيـا الـجـنـوبـيـة، وزحـف الجـيـوش السـوفـيـاتـيـة نحـو أوربـا الوسـطـى والـشـرقـيـة 1944.

* تـحـريـر يـوغـسـلافـيـا فـي أكـتـوبـر 1944.

* مـشـروع تـكـويـن هـيـئـة الأمـم المـتـحـدة فـي أكـتـوبـر 1944.

* إلـقـاء الـقـنـبـلـتـيـن الـذريـتـيـن فـي “هـيـروشـيـمـا 6 أوت / نـغـازكـي 9 أوت 1945 “.

رابعاً: نتائج الحرب العالمية الثانية

   1 الـنـتـائـج الاجـتـمـاعـيـة :

لـقـد أدت الـحـرب الـعـالـمـيـة الـثـانـيـة (1939-1945) مـن الـنـاحـيـة الاجـتـمـاعـيـة إلـى مـقـتـل حـوالـي 50 مـلـيـون شـخـص مـن مـدنـيـيـن وعـسـكـرييـن بـالإضـافـة إلـى تـشـريـد مـلايـيـن الـنـاس وتـركـهـم بـدون مـأوى، إلـى جـانـب نـقـص الـتـغـذيـة وارتـفـاع الأسـعـار، كـمـا تـركـت الـحـرب الـكـثـيـر مـن الـيـتـامـى والـمـعـطـوبـيـن، إلـى جـانـب أكـبـر كـارثـة أصـابـت الـبـشـريـة، إذ اسـتـخـدمـت جـمـيـع الـوسـائـل الـوحـشـيـة فـي الـوصـول إلـى الـنـصـر، فـاسـتـخـدمـت الـولايـات الـمـتـحـدة الأمـريـكـيـة الـقـنـبـلـة الـذريـة فـي “هـيـروشـيـمـا” و”نـغـازاكـي” فـي بـدايـة شـهـر أغسطس 1945 الـتـي كـانـت شـامـلـة وبـدون تـمـيـيـز، ممـا جـعـل الأبـريـاء أكـثـر تـعـرضـا لـلـهـلاك.

   2 – الـنـتـائـج الاقـتـصـاديـة :

مـن نـتـائـج الـحـرب الـعـالـمـيـة الـثـانـيـة الاقـتـصـاديـة أنـهـا خـربـت أوربـا بـقـسـمـيـهـا الـغـربـي والـشـرقـي، فـمـحـت وسـائـل الـمـواصـلات والـمـصـانـع وحـولـت الـمـدن إلـى أنـقـاض بـالـيـة، حـيـث تـنـاقـص إنـتـاج ألـمـانـيـا الـصـنـاعـي بـنـسـبـة 40 %  وفـرنـسـا بـ 55%، كـمـا أدت الـحـرب إلـى خـراب شـامـل فـي الـمـرافـق الـحـيـويـة وهـي : الـزراعـة، الـصـنـاعـة، الـتـجـارة والـمـواصـلات.

وفـوق ذلـك خـرجـت أوربـا مـن الـحـرب مـديـنـة لـلـولايـات الـمـتـحـدة الأمـريـكـيـة بـمـبـالـغ ضـخـمـة، فـبـلـغـت ديـون فـرنـسـا غـداة نـهـايـة الـحـرب 500 مـلـيـار فـرنـك فـرنـسـي، واسـتـفـادت الـولايـات الـمـتـحـدة الأمـريـكـيـة مـاديـاً مـن أحـداث الـحـرب رغـم مـسـاهـمـتـهـا فـي تـحـريـر أوربـا الـغـربـيـة وقـهـر الـنـازيـة فـقـد تـزايـد إنـتـاجـهـا الـصـنـاعـي بـنـسـبـة 75 % خـاصـة الـصـنـاعـات الـحـربـيـة، وإنـتـاجـهـا مـن الـقـمـح زاد بـنـسـبـة 25 % وانـعـكـس كـل ذلـك عـلـى مـيـزانـهـا الـتـجـاري الـذي اسـتـفـاد بـ 11 مـلـيـار دولار.

واحـتـفـاظـهـا بـالـذهـب الـعـالـمـي بـنـسـبـة 80 %، واسـتـطـاعـت أن تـخـلـق صـنـاعـات مـيـكـانـيـكـيـة بـواسـطـة شـركـاتـهـا الـتـي اسـتـثـمـرت أمـوالـهـا فـي “كـنـدا، الـبـرازيـل والأرجـنـتـيـن” رغـم أنـهـا ظـلـت طـوال الـحـرب تـزود دول الـحـلـفـاء بـكـل الـمـعـدات الـعـسـكـريـة والـمـواد الـغـذائـيـة، بحـيـث بـاعـت في هـذه الفـتـرة 16000 طـائـرة حـربـيـة.

3-  الـنـتـائـج الـسـيـاسـيـة :

لـقـد أحـدثـت الـحـرب الـعـالـمـيـة الـثـانـيـة تـغـيـرات أسـاسـيـة فـي الـوضـع الـدولـي، تـمـثـلـت فـيـمـا يـلـي :

1 – الـمـؤتـمـرات :

وضـع سـاسـة الـدول الـكـبـرى أثـنـاء وقـبـل وبـعـد انـتـهـاء الـحـرب أسـسـا مـؤقـتـة لـلـسـلام الـعـالـمـي، وتـشـديـد الـضـغـط عـلـى دول الـمـحـور حـيـث تـركـز اهـتـمـام الـحـلـفـاء عـلـى الـجـانـب الـعـسـكـري بـغـيـة تـحـقـيـق وكـسـب عـالـم مـا بـعـد الـحـرب. وأول لـقـاء هـو :

أ لـقـاء الأطـلـسـي : اللـقـاء الذي تـم بيـن “روزفـلـت – تـشـرشـل” فـي 1941، وخـرجـا بـبـيـان أطـلـق عـلـيـه فـيـمـا بـعـد ” مـيـثـاق الأطـلـسـي ” وأعـربـا فـيـه عـن كـونـهـمـا لا يـطـمـحـان إلـى أي تـوسـع إقـلـيـمـي، كـمـا يـتـعـهـدان بـعـد الانـتـصـار بـتـرك كـل الـشـعـوب تـقـرر مـصـيـرهـا بـنـفـسـهـا دون ضـغـط أو إكـراه.

ب مـؤتـمـر طـهـران ديـسـمـبـر 1943 : إلـتـقـى فـي هـذا الـمـؤتـمـر الـثـلاثـة الـكـبـار:       (روزفـلـت – تـشـرشـل – سـتـالـيـن) ومـحـور الـلـقـاء هـو مـصـيـر ألـمـانـيـا بـعـد الـحـرب، وقـبـلـوا جـمـيـعـاً بـإقـتـراح مـن “تـشـرشـل ” تـوسـيـع “بـولـونـيـا” غـربـا حـتـى نـهـر الأودر.

جـ مـؤتـمـر يـالـطـا جـانـفـي 1945 : حـضـره الـثـلاثـة الـكـبـار ” روزفـلـت – تـشـرشـل – سـتـالـيـن ” وكـان هـذا الـمـؤتـمـر حـاسـمـاً، لأنـه جـاء فـي وقـت كـانـت فـيـه الـهـزيـمـة الألـمـانـيـة أمـراً مـفـروغـاً مـنـه وفـي وقـت أصـبـحـت فـيـه قـوات الـجـيـش الأحـمـر الـروسـي فـي مـركـز قـوة نـتـيـجـة تـقـدمـهـا بـسـرعـة فـي أراضـي أوربـا الشـرقـيـة وألـمـانـيـا، مـمـا جـعـل “سـتـالـيـن” يـمـارس ضـغـطـا عـلـى الأمـريـكـيـيـن والـبـريـطـانـيـيـن واتـفـقـوا عـلـى :

* مـبـدأ الـحـريـة لـكـل الـشـعـوب فـي اخـتـيـار حـكـومـاتـهـا.

* إرادة الـجـمـيـع فـي الـمـسـاعـدة عـلـى إقـامـة أنـظـمـة ديـمـقـراطـيـة فـي كـل أوربـا، دون تـحـديـد مـفـهـوم الـديـمـقـراطـيـة وشـكـلـهـا.

* قـبـل الـغـربـيـون نـظـام “تـيـتـو” (نـسـبـة إلـى جـوزيـف بـروزتـيـتـو رئـيـس دولـة يـوغـسـلافـيـا) فـي يـوغـسـلافـيـا.

* أن تـتـنـازل ” بـولـونـيـا لـروسـيـا ” عـن الـمـنـاطـق الـتـي كـانـت قـد أخـذت مـنـهـا سـنـة 1921 وتـعـويـضـهـا بـامـتـداد حـدودهـا غـربـا عـلـى حـسـاب “ألـمـانـيـا” حـتـى نـهـر الأودر.

د – مـؤتـمـر بـوتـسـدام فـي 1945: عـقـد هـذا الـمـؤتـمـر فـي ضـواحـي بـرلـيـن وضـم ” سـتـالـيـن، تـرومـان الـذي خـلـف روزفـلـت – آتـلـي رئـيـس وزراء بـريـطـانـيـا الـذي خـلـف تـشـرشـل، وكـان مـوضـوع الـمـؤتـمـر هـو: (تـقـريـر مـصـيـر ألـمـانـيـا والـدول الـمـتـحـالـفـة مـعـهـا) وجـدد الـحـلـفـاء الـشـروط الـمـطـبـقـة عـلـى ألـمـانـيـا.

  1. الـنـتـائـج الـعـلـمـيـة :

كـانـت الـحـرب الـعـالـمـيـة الـثـانـيـة حـرب الـتـكـنـولـوجـيـا الـجـديـدة نـظـرا لاسـتـخـدام الـمـتـحـاربـيـن لأسـلـحـة الـدمـار عـلـى مـخـتـلـف أنـواعـهـا، الـقـنـابـل الـمـحـرقـة والـمـواد الـكـيـمـاويـة والـبـاكـتـيـريـة، مـع اسـتـعـمـال الـطـائـرات الـمـقـنـبـلـة،  الـغـواصـات الـمـتـطـورة، الـسـلاح الـذري، و تـم اسـتـخـدام بـشـكـل واسـع حـامـلات الـطـائـرات الـضـخـمـة، اكـتـشـاف الاهـتـزازات الـصـوتـيـة الـتـي تـنـتـشـر عـلـى الـمـاء فـي 1940 (إحـداث ثـورة فـي مـيـدان الاتـصـال) اكـتـشـاف واسـتـعـمـال الأنـسـولـيـن والـمـضـادات الـحـيـويـة 1942، اسـتـعـمـال الـرادار إبـتـداءا مـن 1940، وقــد تــم تـقـلـيــص مـخــاطــر حـقــن الـدم بـعـد أن تـم اكــتـشـاف عـامـل الـريـزوس عـام 1941 مـن طـرف الأمـريـكـيـيـن (1868 – 1943) و (الـمـولـود عـام 1907) كـمـا تـم اسـتـخـدام الـبـنـسـلـيـن عـلـى شـكـل مـسـتـخـلـصـات مـركـزة إبـتـداءا مـن عـام 1940 ( تـم اكـتـشـافـهـا عـام 1920 ).

الخاتمة:

كانت الحرب العالمية الثانية نتيجة التحالفات والمعاهدات التي أنتجتها الحرب العالمية الأولى وتعنت الدول المنتصرة فيها بفرض قيود وأحكام جائرة على الدول التي انهزمت فيها، وما أن وجدت الدول المهزومة فسحة صغيرة للتخلص من تلك الأحكام حتى بدأت بتقوية نفوذها ومحاولة أيضاً أن تعود كقوى عظمى، وأعطيت تلك الفرصة بعد عقد معاهدات جديدة لا تختلف في مضمونها عن المعاهدات التي تلت الحرب العالمية الأولى لكن بشروط أقل شدة، فأتيح لألمانيا وإيطاليا واليابان أن تعود لصناعة الأسلحة وإلى تنشيط الحركة الاقتصادية في داخلها لكنها صدمت بجدار البطالة والفقر والحاجة إلى فتح أبواب أسواق جديدة وهذا ما عارضته الدول الأوروبية رفقة الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة، كما أن تعنت هتلر وغروره في أنه يملك جيشاً لا يهزم مدعوماً بالشعب الألماني الذي اقتنع هو الآخر بأن العرق الألماني أفضل عرق موجود على الكرة الأرضية، فكانت الحرب التي دخلتها دول المحور ضد دول التحالف تلاها ذلك دخول دول أخرى بسبب الاعتداء على أراضيها من قبل دول المحور التي استغلت المرحلة الأولى في الحرب بتوسيع نفوذها مما حشد الرأي العام العالمي ضدها، واستمرت الحرب حوالي ست سنوات كانت أن تقضي على أوروبا بكاملها فاكنت نتائجها كارثية ومن خسر بها هو الإنسان وليس أحد غيره، فالخسائر البشرية كانت أكثر من أن تحصى بأرقام، وكما انتهت الحرب العالمية الأولى بمعاهدات واتفاقيات انتهت الحرب العالمية الثانية وكانت الهزيمة من نصيب دول المحور التي وجدت نفسها تُقيّد مرة أخرى بمعاهدات تحد من نفوذها وقوتها التي بقيت إلى وقتٍ قريب محدودة الأثر لولا أنها وجدت حكومات تعرف كيف تنقذ تلك البلدان من الانهيار وأن تنتقل من مرحلة الدمار إلى مرحلة النهضة، بل نجد تلك الدول في الوقت الحالي من أكثر الدول سيطرة في المجال الصناعي والاقتصادي.

أكثر ما نتعلمه من الحرب العالمية الثانية أن الحرب لا تؤدي سوى إلى الخراب والدمار وتراجع الدول وتأثر شعوبها اقتصادياً واجتماعياً بتلك الحروب، وأن الخاسر الأكبر في أي حرب هو العنصر البشري، وأن العالم يجب أن يسوده السلم وأن تحافظ كل دولة على خيراتها لتكون في خدمة شعبها وليس في خدمة الحرب.

التعليقات مغلقة.