يوصف الحب أنه أجمل المشاعر التي نعيشها ونختبرها في حياتنا، لكن هل عشت يوماً شعور الحب؟ هل وقعت فعلاً في الحب؟ كيف يمكن لنا أن نصف هذا الشعور؟ ماهي حقيقته؟ كيف ندمن على وجود شخص في حياتنا؟
يرى الفلاسفة مثل شوبنهاور أن الحب ليس إلا شعور يخدعنا لنتزوج، ويقول كانط أنه خدعة الطبيعة لإتمام الزواج، أما برتراند راسل يرى أن الحب هو حيلة دفاعية يحارب بها الإنسان وحدته.
يعتقد العلماء أن الحب هو عملية كيميائية مشابهة كثيراً لعملية الإدمان، فما هو الحب حقاً؟ وما هو هذا الشعور؟
إن كيمياء الشعور والعواطف معقدة للغاية، ويختلف معناها من شخص لآخر، ولكنها في الأساس تجربة واعية، تصنف حسب حالة العقل وردود الفعل الخارجية والداخلية والتعبيرات، فـكلنا يحزن ويسعد، يضحك ويبكي، يقلق ويهدأ…. إلخ، هل تساءلنا عن كيفية حدوث هذه المشاعر داخلنا؟
مما لا شك فيه أن شعور الإنسان هو المحرك الرئيسي لسلوكه، فالعدوانية ننسبها لشدة الغضب، والـلطف هو رد فعل لعمق السعادة، ولقد وجد العلماء أن هذه المشاعر الإنسانية ماهي الا نِتاج استجابة الجهاز العصبي للـناقلات العصبية الكيميائية التي تفرز طبيعياً ولفترة مؤقته تبعاً للمواقف المختلفة.
الحب: جــاء في كتاب تشريح الحب «Anatomy of love» للكاتبة “هيلين فيشر” (عالمة السلالات البشرية) بعض من هذه التحليلات الهامة لكيمياء العواطف، حيث ترى الكاتبة أن هناك مواد كيميائية يفرزها الجسم_ كما تشير إلى ذلك بعض البحوث العلمية_ فالتقاء النظرات أو لمسة الأيدي أو نفحة العطر تفجر سيلاً ينبع من المخ مندفعاً من خلال الأعصاب ومجرى الدم، والنتائج معروفة جيداً: تورد البشرة فجأة وعرق الكفين وثقل التنفس، وقد يتساءل أحدهم: هل الحب شبيهاً بالإجهاد؟ الجواب لا ، ولكن سبب هذا التشابه الظاهري بسيط جداً وهو أن المواد الكيماوية تسلك نفس الممرات في كلتا الحالتين، وهذه الكيماويات التي تسبب شعوراً بالخفة والبهجة عند المتيم الجديد هي من قبيل المنبهات المعروفة طبياً ، فالبداية تصنعها الفرمانات ( Pheromones ) وهي مركبات كيميائية تفرزها الكائنات الحية بحيث يكون هناك علاقة بين المفرز والمستقبل، وهي أحد سبل نقل المعلومات بين الكائنات الحية، ويوجد في الجسد خلايا خاصة تفرز هذه المركبات وتطلقها في الجو، فإذا حدث توافق بين المرسل والمستقبل حدث نوع من الإثارة والحث لتفاعلات كيميائية أكثر قوة.
ثانياً: هنا يأتي دور الأمفيتامين “amphetamine” والأمفيتامينات مركبات يفرزها الجسم بشكل طبيعي بنسب قليلة وهي مركبات تعطي الشعور بالسعادة، وقد تم قياس زيادة في أحد الأمفيتامينات والذي يعرف ب phenylethylamine عند المحبين والذي يتسبب لهم في الشعور بأنهم (يحلقون من السعادة) ويعطيهم القوة والحماسة على تحمل سهر الليالي في سبيل وصل المحبوب.
يمكنك الحصول على نفس المركب ولكن بتركيز أقل من خلال (قطعة شكولاتة). إذ يحفز الفينيل إيثيل أمين إنتاج ناقل عصبي هام يسمى الدوبامين dopamine وقد أثبتت التجارب أنه يساعد على حصر الخيارات في شريك واحد أو محبوب بعينه، ومن ثم يأتي الدوبامين إذ يحث الغدة النخامية على إفراز هرمون الأوكسيتوسين “oxytocin” والذي يطلقون عليه لقب “هرمون الحب” فهو يفرز في حالات الحب لتقوية أواصر العلاقة بين المحبين ويدعم الشعور بالثقة بينهم وكذلك يفرز عند النساء أثناء فترة الرضاعة.
قد يتبادر إلى الذهن سؤال كيف يستمر الحب طويلاً، وهل القلب هو مصدر الحب؟
الجواب: كلا، فهناك مادة أخرى يفرزها الجسم لتزيد من حالة النشوة والسعادة وهي النورإبينيفرين “norepinephrine” والتي تحفز إنتاج “الأدرينالين” الذي يعطي الشعور ببرودة اليدين وتعرقهما وخفقان القلب المميز عند قرب المحبوب والذي جعل الناس ولسنوات طويلة تعتقد أن الحب صادر من القلب، وهنا نتساءل إذاً كيف تترجم العواطف إلى أعراض جسدية؟ أولاً: يقوم الدماغ بإطلاق إشارات عصبية للجسم من خلال الأعصاب المنتشرة والمتصلة بالأعضاء الداخلية، فيجعل القلب ينبض بشكل أسرع ويعطى شعور غريب كالخفقان أو الاضطراب، وبالرغم من أن العقل هو الذي يتحكم في المشاعر بكل تأكيد ، إلا أن الجزء المسؤول عن كيمياء المشاعر يعمل بعيداً عن الجزء المسؤول عن التفكير المنطقي والتحليلي، ولذا لا يمكن قياس المشاعر بالمنطق، ولا يخضع المحبين لحساباته. إن هذه التأثيرات الكيميائية تستمر لفترة قد تتراوح بين 18 شهر إلى أربعة سنوات، أُطلق عليها اسم “شهر العسل”.
والسؤال هنا لما قد يحدث الانفصال؟ قلنا إن المشاعر تفقد قوتها بمرور الوقت، حيث أن المواد الكيميائية المسؤولة عن الشعور تتضاءل تدريجياً، وفجأة يبدأ المرء يشعر أن للشخص الاخر عيوب لا يمكنه أن يتقبلها وأنه قد تغير، لكن في الواقع لم يتغير ذلك الشخص وإنما أنت الآن أصبحت تنظر للأمر بصورة عقلانية أكثر, وليس من خلال سيطرة هرمونات الحب على تفكيرك.
يقول الرافعي إن الحب دائما ما ينظر بعين واحدة، فيرى جانباً ويعمى عن جانب آخر، فلا ينظر بعينيه معاً إلا حين يريد أن يتبين طريقة لينصرف.
هنا في حالات الانفصال ومحاولة الخروج إلى النور، إما ان تكون هذه العلاقة قوية وتستمر رغم انتهاء الحب واستبداله بروابط قوية أخرى أكثر قيمة، وإما أن تنتهي، فيعاني الأشخاص المنفصلين حالات تكون مشابهة لأعراض انسحاب المواد المخدرة من جسم الإنسان، ويعيشون فترة من العذاب والألم والاكتئاب، ولكن مهما أثبتت هذه الأبحاث من حقائق، لا يمكنها أن تمنع العشاق من الوقوع في الحب، ولا أن يسقطوا ضحية له بصفة يومية فهذا هو سحر الكيمياء.
التعليقات مغلقة.