إيران… 20 يوم على الاحتجاجات
قبل 43 عاماً وتحديداً في 7 يناير 1978 انتفض الايرانيون ضد حكم الشاه محمد رضا بهلوي الذي كان مدعوماً من الولايات المتحدة تحت ما أسموه ثورة إسلامية والتي أستمرت إلى 11 فبراير 1979 والتي أدت بسقوط الشاه بعد مشاركة فئات مختلفة من الناس وحولت إيران إلى نظام ملكي. تم استبدال الحكم في نهاية المطاف بالجمهورية الاسلامية
عن طريق الاستفتاء في ظل المرجع الديني آية الله روح الله الخميني، قائد الثورة بدعم من العديد من المنظمات اليسارية والإسلامية والحركات الطلابية الإيرانية، كانت للشخصيات ذات التوجه الإسلامي دور بارز ووجود كبير في هذه الثورة المضادة للحكم الملكي والتي سمّاها الخميني بـ الثورة الإسلامية، بالإضافة إلى الإسلام السياسي أو الإسلاموية ، شاركت أيديولوجيات مختلفة في هذه الثورة، مثل الاشتراكية والليبرالية والقومية .
لماذا الخميني في إيران وليس غيره؟
لم يكن آية الله الخميني، قبل قيام الثورة والإطاحة بالشاه رجلاً خارقاً أو ذا حسب ونسب، لكن صنّاع زعامته حبكوا قصة حياته وسيرته لتناسب مكانته الجديدة بين أوساط الشعب، فمنذ بدأ حياته في بلاده مروراً بمكوثه في مدينة النجف العراقية وصولًا إلى فرنسا حيث استقر، لم يظهر مؤشرات استثنائية، لكن من عمل على إحداث تغيير في إيران نسج الحكاية التي نقلته من رجل دين عادي إلى آية الله العظمى والإمام ثم المرشد، ويوجد للمفكر الايراني هوشنك نهاوندي وثيقة تاريخية نوعية تكشف الكثير من الحقائق المخفية عن المرحلة التي سبقت الثورة بكل ظروفها وملابساتها الداخلية والخارجية، خاصة فيما يتعلق بصناعة قصة الخميني التي اشترك في صياغتها سياسيون وإعلاميون، وكيف تلاقت مع وقوع الخيار التوافقي الغربي السوفيتي عليه ليكون عنوان الثورة وقائد ايران بديلاً لنظام الشاه، الذي كان يعاني حالة من التفكك والانهيار.
انتهى كل شيء، وهبطت الطائرة الفرنسية التي تحمل الخميني في طهران، والتي دُبرت مِن قبل الحكومة الفرنسية، ليس كما نُشر أن العسكريين قد استقبلوا الخميني، إنما جرى التمثيل، بارتداء عناصر للملابس العسكرية، كي يُعطى تصور لدى الرأي العام بأن الجيش مع الخميني.
سقط النظام الملكي رسميا في فبراير 1979م، وكان الإجراء الأول محاكمات صورية لكبار ضباط الجيش، أما مكان الإعدام فهو سقف البناية التي يقيم فيها آية الله أو الإمام، بعد أن كُتبت له سيرة ذاتية مزدانة بالتقديس والكرامات، فصار عهداً جديداً، غير أن الظلم الذي كانت تشكو وتبالغ فيه المعارضة تحول إلى السلطة الجديدة.
ميليشيات إيران والتوغل الطائفي
في السنوات الأخيرة وصلت ميليشيات طهران إلى العمق العربي عبر حلفاء ووكلاء وميليشيات مسلحة، حيث قالت التحليلات: ايران تحكم 4 عواصم عربية، وقالت طهران: لنا 6 جيوش أسسها قاسم سليماني على التراب العربي.
الأمير تركي الفيصل، نجل الملك السعودي الراحل فيصل، وسفير السعودية السابق في واشنطن، وصف التوسع الايراني وقتها بعبارة واحدة قصيرة:” إن الايرانيين قد أمسكوا بنا من عُنقنا”.
وقال رئيس الحكومة الإسرائيلية نفتالي بينيت، إن طهران أحاطت إسرائيل على مدى 30 سنة بما يشبه حلقة من القذائف الصاروخية، وفي العقد الأخير سمحوا لحزب الله بالتسلح بأكثر من 100 ألف قذيفة صاروخية.
وتأتي سوريا من بين الدول العربية المستهدفة من إيران كنقطة ارتكاز جوهرية في الاستراتيجية الميليشياوية الواردة من طهران، ومن هنا سنتكلم عن حال الدول العربية بعد التدخل الايراني الطائفي في الحرب منذ اندلاع ثورات الربيع العربي، ومستقبل الدور الايراني هناك، إذ أصبحت الأزمة السورية تزداد تعقيداً يوماً بعد يوم في ظل أوضاع دولية وإقليمية شديدة الصعوبة، فضلاً عن التشابك من جهة نظام الأسد أو الثوار على حد سواء.
بـداية، لا تهم عمائم طهران استمرارية أو عدم استمرارية نظام “الأسد” في حد ذاته بل سوريا كـ هـــدف استراتيـــجي بوقوعها في عمق الحزام المذهبي الشيعي (القوس أو الهلال الشيعي)، وهو مشروع استعماري توسعي مثله مثل المشاريع الأوروبية – الأمريكية – الإسرائيلية، يمتد من العراق (التي يحكمها مصطفى الكاظمي الموالي لايران)، مروراً بسوريا (التي يحكمها نظام طائفي يتعامل مع ايران كموكلة له في سوريا، وأنها حبل الإنقاذ له)، وصولاً إلى لبنان (التي يتحكم بها حزب الله الشيعي المُؤتمر بأمر إيران)
اضطهاد الأقليات في إيران والتدهور الاقتصادي:
وفي بيان، أعرب الخبراء عن قلق بالغ إزاء تزايد الاعتقالات التعسفية، وفي بعض الأحيان، حالات الاختفاء القسري، فيما يحمل كل علامات سياسة الاضطهاد المنهجي لأعضاء الطائفة البهائية، وتدمير ممتلكاتهم أو مصادرتها “.
وقال الخبراء، تُعدّ الطائفة البهائية واحدة من بين أكثر الأقليات الدينية تعرّضا للاضطهاد في ، مع زيادة ملحوظة في عمليات الاعتقال والاستهداف هذا العام. وبحلول نيسان/أبريل 2022، تلّقى الخبراء تقارير تفيد بأن أكثر من ألفٍ من أبناء الطائفة البهائية ينتظرون السجن، بعد الاعتقالات الأولية وجلسات الاستماع.
ومنذ تموز/يوليو 2022، داهم رجال الأمن منازل أكثر من 35 شخصا ينتمون للطائفة البهائية في مدن مختلفة، واعتقلوا العديد من الأفراد في جميع أنحاء البلاد.
من ناحية أخرى تعمل السلطات في طهران على اضطهاد المكون العربي في الأحواز، ذلك الإقليم العربي تاريخاً وجغرافيةً، والذي احتلته إيران في عام 1925م، وبتواطؤ من البريطانيين، والذين سلموها للشاه رضا بهلوي، والذي احتلها بعد مجازر كبيرة في المكون العربي، ولكي يطمس تاريخها قام بتحويل اسمها ل” خوزستان”، وعمل على تغييرها ديمغرافياً وذلك بإعطاء الكثير من الأراضي فيها لقوميات أخرى كالفرس والكرد والأذر.
يعاني المواطن الإيراني من سوء الوضع الاقتصادي، والضغط الكبير، والزيادة اليومية في أسعار أغلب السلع في إيران، والتي وصلت إلى درجات غيرت من نمط الحياة ونوع الغذاء للناس بشكل كامل، حيث أكد مسؤول إيراني -عضو في مجلس تشخيص مصلحة النظام أحمد توكلي- ان نسبة 60% من سكان إيران يقبعون تحت خط الفقر، فالجوع والفقر في إيران هيمنا على أوضاع غالبية الناس.
الانهيار الاقتصادي في إيران تسبب في ارتفاع معدلات التضخم، والتي تهدد الطبقة الوسطى بصورة أساسية، وفي هذا الشأن قال الباحث الاجتماعي الإيراني محمد رضا محبوب فر “إن الوضع الاقتصادي في بلدنا يجعل الطبقة الوسطى تقترب يومًا بعد آخر من فئة الدخل المنخفض، وأدى الافتقار إلى الحريات المدنية والصعوبات الاقتصادية وانعدام الأمن الوظيفي الى تدهور الوضع الاقتصادي في البلد، ولكن ما الذي أدى للخروج عن الصمت في إيران؟
الاحتجاجات في 2022 ويُشار لها في بعضِ المصادر بـ الثورة الإيرانية الثانية، هي سلسلةٌ من المظاهرات التي بدأت في 14 أيلول/سبتمبر 2022 عقبَ مقتل الشابّة من أصل كردي مهسا أميني التي تبلغ من العمر 22 عام بعد تعرضها للضرب المبرح اثناء احتجازها واعتقالها من قِبل شرطة الأخلاق التابعة للحكومة بسبب عدم ارتداءها للحجاب على الطريقة الإسلامية، وعلى كل حال لا أعلم أي إسلام أو دين أو مذهب حلل قتل النفس بسبب حجاب.
أستمرت المظاهرات حتى وصلت إلى العاصمة طهران، وشهدت العاصمة في 21 سبتمبر 2022 مظاهرات مماثلة شارك فيها المئات من طلاب جامعات بطهران، ورفع المحتجون شعارات مثل ( الموت للديكتاتور , شرطة الأخلاق قاتلة , خامنئي قاتل وحكومته باطلة , نُقسم بدم مهسا أنّ إيران ستتحرر , اضطهاد المرأة من كردستان إلى طهران) و تندد بسياسة الحكومة الخاصة بفرض الحجاب، وتطالب بالحرية واحترام حقوق المرأة. كما شهدت مدينة أرومية شمال غربي البلاد مظاهرة في مراسم تشييع أحد ضحايا الاحتجاجات الأخيرة في المدينة، وأعلنت الشرطة الإيرانية الأربعاء اعتقال 68 شخصا شاركوا في مظاهرات بمدينة غيلان شمالي طهران.
هل احتجاجات إيران مرتبطة بمقتل مهسا أميني فقط؟
لا يخفى على أي متابع للشأن الإيراني همجية السلطة الحاكمة فيها، فالإعدامات لأبناء الأقليات مستمرة فيها منذ زمن بعيد، وخصوصاً للعرب الأحوازيين ولقومية البلوش السُنية، فلماذا كانت قضية مهسا أميني ذات صدى ؟
الواقع يقول لنا أنَّ الشعب القابع تحت سلطة الفقر والواقع الاقتصادي والاجتماعي المتردي قد ملَّ من السلطة الحاكمة، والتي نهبت ثرواته وحولتها لتكون ” شيك مفتوح” تصرف من خلاله على ميليشيتها الطائفية في محيطها الإقليمي وخصوصاً في الدول العربية كسوريا ولبنان واليمن، والتي من خلالها تحاول استرجاع أوهام الإمبراطورية الفارسية، كما أن العقوبات الأمريكية الدولية التي تطالها بسبب سياساتها التوسعية، جعلت من الشعب ما بين جياع وسكان مقابر، وتلاحقهم أنياب الفقر، بينما على الطرف الآخر من الخليج العربي، يعيش المواطنين في رغد وتطور اقتصادي واجتماعي، مع أن ضفتي الخليج العربي غنية بالنفط، مع فارق بسيط أن دول الخليج العربي تسعى لرفاه مواطنيها بينما السلطات الحاكمة في طهران تسعى لنشر فكر ظلامي توسعي قوامه الميليشيات الطائفية.
التعليقات مغلقة.