جمالية الفنون البصرية
منذ القِدم لعب الفن دوراً أساسياً كمترجم ورسول بين الشعوب والأمم المختلفة لغةً وثقافةً، ثمَّ تطور ليصبح لغة عالمية جامعة للجنس البشري متغلبةً على كل المعوقات، وما لبث ان تطور وأصبح حاجة أساسية في تركيبة المجتمعات.
وفي التاريخ المعاصر تنبه التربويين للأهمية البالغة للفن ودوره في تحقيق قفزة تعليمية عن طريق تلقيح المواد التعليمية بالفنون المتعددة وأهمها البصرية، فيمكن أن تلعب الأنشطة الفنية دوراً هاماً في بناء شخصية الطالب وتوسّع مداركه الفكرية، وتكسبه مهارات عمليّة يمكن ان يطبقها في حياته اليومية[1]، كما ان الأنشطة الفنية الحرة بمختلف أشكالها والتي يقودها الطالب بنفسه بطريقة مباشرة تجعله كطرف يتحمل المسؤولية.
ما اهمية الفنون البصرية؟
لقد خَلص الباحثون في المجال التربوي أن التعلم باستخدام الفنون لم يعد حاجةٌ كمالية في التعليم، بل أصيح وسيلة ضرورية وجب اتباعها، فعند دراسة الطالب لأي مادة تعليمية كالعلوم مثلاً فإن تعامله معها عن طريق الفنون البصرية يعطي الطالب المقدرة على تخيل وصنع الأشياء الغير مرئية والتي تبدو له مجرد عالم آخر مخفي، كذلك دراسة حقبة بعيدة من التاريخ، تختلف عن واقعنا بطريقة مسكنها وبيوتها ولباسها….الخ، فيستخدم الفن لتجسيدها وإعطائها صفة المنطقية، فيتحول الفن هنا لمحاكي يتجاوز بنا سطوة الواقع، فالفنون أصبحت تدخل وتتشابك مع كل المواد التعليمية و تقوم بدور الميسر للمفاهيم والأفكار[2].
إن الفن والتعليم حديثاً أصبحا مترابطين سوية بعلاقة طردية، يؤثر ويتأثر كل منهما بالآخر وزيادة كفاءة أحدهما في أي مجال تعني زيادة جودة الآخر، ومن الصعوبة بمكان الفصل بينهما، ويمكننا ان نشبه العلم بالمادة الأولية الجاهزة لعمل لوحة ما، اما الفن فهو اليد التي ستترجم العمل وتحول المادة الأولية الجامدة للوحة فنية بشكلها النهائي، ولهذا السبب قامت معظم الهيئات التعليمية في العالم بإدخال الفنون البصرية في صلب دراسة كل المواد التعليمية[3].
وفي هذه المقالة سنتناول الدمج الحاصل بين مادة التربية الفنية بمجالها المتناول هنا وهو الأشغال اليدوية من جهة وبين مادة العلوم من جهة أخرى، كما سنسلط الإضاءة على مادة الفنون البصرية ونربطها بمادة العلوم، وعرض النماذج النهائية الحاصلة من هذا الربط.
مقدمة تعريفية بالفنون والأشغال اليدوية:
تعدّ الأنشطة الفنية المرتبطة بالأشغال اليدوية من أكثر الوسائل الفنية التعليمية الناجعة في إيصال الأفكار التربوية والتعليمية للمتلقي، وهي تلعب دور الميسر للشروحات، وقد تم استخدامها منذ تبلور الوجه الأول للتعليم الهادف، وذلك لسهولة الوصول إليها من البيئة المحيطة (العيدان الخشبية، القماش، الصلصال، البلاستيك، بقايا الكرتون المقوى …الخ) وكان من السهولة بمكان إيصال فكرة رائدة عن طريق استخدام هذه الأشياء المحيطية البسيطة.
حديثاً أصيح لها فائدة بيئية ترافق الفائدة التعليمية حيث أصبح بإمكان المتعلمين استخدام الأشياء الفائضة التي تتعرض للإتلاف في مجال أفضل( إعادة تدوير) وإعطاء المشغولات حيوية وديناميكية بحيث انتقلت هذه الأعمال الفنية من الطور البدائي للمشغولات التي لا تثير إلا الحاسة البصرية، إلى الأبعاد الواقعية الثلاثة والتي أصبحت علمياً أقرب للتجسيد الواقعي منه للتمثيل المتخيل والجدير بالذكر أن استخدام هذه الأشغال اليدوية يتحول بالمتعلم من طور التلقي والتلقين لطور الإبداع وينتقل المتعلم فيه من الأفكار المعدّة له مسبقاً إلى طور التفكير خارج الصندوق، فيكفي أن يتوفر بين يديه مجموعة من القطع الخشبية مختلفة الأشكال مع بعض الأدوات المساعدة وإعطاؤه حرية التخيل بعمله، ستكون النتيجة بالغالب ذات طابع إبداعي[4].
دمج الأشغال الفنية اليدوية بمادة العلوم
تعدت الأشغال الفنية دورها السطحي التي كان يستعان بها لأجله ألا وهو الترفيه، وتطورت وتناغمت مع المواد الدراسية لتصبح الخريطة الشارحة لهذه المواد والتي تعبر عنها أفضل تعبير[5].
كما أن استخدام الأشغال الفنية في شروحات المواد يوصل المتعلمين لحالة من الربط بين المعلومة المقولبة ضمن قالب الكتاب ومشاهداتهم التي تدلّلهم على المعلومة التي تتمحور حولها تلك الفكرة، وهذا يؤدي لتثبيت المعلومات في ذاكرتهم بشكل أفضل حيث يتم استخدام طريقتين للتثبيت تعزز كل منهما الأخرى، كما ان العمل ضمن مجموعة يوكل لها عمل تلك الأشغال يحفز الطالب على تذاكرها على مدى أطول لارتباطها بعاملي المشاهدة والاشتراك في العمل[6].
وفي مادة بحثنا اليوم(العلوم) يمكن أن نتبع الكثير من الطرق الفنية المتمثلة بالأشغال اليدوية كي نوصل المعلومات المراد إيصالها بطريقة محببة لمجتمع المتعلمين إما عن طريق الأنشطة الفردية التي يقوم بها كل طالب على حدا أو الأنشطة الجماعية _ دائما ما تكون مفضلة على الأنشطة الفردية_ التي تمكن تربي الطالب على ثقافة العمل ضمن المجموعة وتعزز لديه ثقافة التشارك الفكري والمناقشة، ونذكر منها على سبيل المثال:
- رسم تجسيدي للجهاز التنفسي والهضمي لدى الإنسان باستخدام الصلصال الملون والكرتون.
- الحيوانات الأليفة التي تصلح للتربية في المنزل وذلك باستخدام الاعواد الخشبية والكرتون الملون.
- عملية التركيب الضوئي عند النباتات باستخدام الألوان المائية والكرتون المقوى والصلصال.
- تجسيد البيئة البحرية باستخدام قصاصات الكرتون المقوى والألوان المائية.
ربط مادة العلوم بالفنون البصرية
حديثاً أصبحت مادة الفنون البصرية من أهم المواد التي حظيت باهتمام التربويين حول العالم، ووصفها البعض منهم بأنها تحلق بخيال الطلاب وتأخذهم لعوالم أخرى من التفكير بشكل مختلف تماماً عما تم الاعتماد عليه من مواد التعليم التقليدية حيث تربط ما بين العملية التعليمية وحياة الطالب الاجتماعية وتنمي مواهبه، فتجعل مثلاً من الأشكال الهندسية الجامدة لوحات تشرح للطالب علم التشريح او العناصر الموجودة في الطبيعة، كما أن استخدام وسائل الإيضاح البصري ( لوحات، رسوميات) يمكن المتعلمين من التعرف وتكوين أفكار مسبقة عن مجتمعات او ظواهر لم يعايشوها (كتعريف الطلاب في المناطق الاستوائية على ظاهرة تساقط الثلج المعتادة بالنصف الآخر من الأرض)
ويقوم المعلمون بدمج الفنون البصرية بمادة العلوم من خلال المنهج التكاملي، حيث يتم الاستعانة بوسائل الايضاح البصري المذكورة سابقا للوصول لحالة إيضاح كاملة لأفكار المقرر الدراسي.
كما توضح مادة الفنون البصرية إنّ ما يتم عمله من مشغولات يعتمد على المواد الأولية المهيأة لها (ورق، قماش، صلصال …الخ) ويمكن توظيفها عن طريق مهارة الصانع لها لتساهم في ترسيخ المادة العلمية المنوطة بالمقرر، ويستفيد المتعلمون من هذا بأمرين: الأول ترفيهي حيث يمكن الطلاب من اللعب الحر والاستمتاع بالحصة الصفية، والثاني علمي حيث تساهم الأنشطة الفنية بصقل مهاراتهم وتثبيت الأفكار التي يتلقونها.
التوصيات
تفعيل وسائل التربية الفنية داخل الفصل ويتحقق ذلك من خلال:
- تشجيع المعلمين على تكثيف حصص الأنشطة الفنية وتشجيع الطلاب على المشاركة الفاعلة فيها
- عمل حزمة من الخطوات التحفيزية الخاصة بهذه الدروس والتي من شأنها شد الطلاب لها
- تصوير القيمة البيئية المهمة لفكرة إعادة تدوير الأشياء واستخدامها بالأنشطة الفنية لتصبح ثقافة عامة لدى الجيل الناشئ.
- تشجيع الطلاب التي تظهر لديهم مهارات مميزة أثناء الدروس وحث الأهل على تنميتها.
تفعيل ثقافة الفنون البصرية داخل المجتمع
يمكن أن يتحقق بما يلي
- مساعدة المراهقين في التعبير عن أنفسهم للوسط المحيط بهم_ الوالدين مثلاً_ بطريقة أفضل من الطريقة الحوارية.
- مساعدة الطلاب على تحديد الهوايات التي يميلون لها.
- تعميق ثقافة الفنون البصرية في المجتمع لتصبح عامل جذب إيجابي بمواجهة الظواهر المنتشرة ذات الآثار السلبية كمواقع التواصل الاجتماعي.
- تشجيع ثقافة الفنون البصرية لتتحول وسيلة تواصل فعالة بين المجتمعات المختلفة ثقافياً
- تشجع الجيل على حضور الفعاليات المهتمة بالفنون البصرية كالندوات والمعارض.
التعليقات مغلقة.