أنا الذي لهُ أبٌ شاهدٌ صامتٌ على المأساة، وأمٌّ تتشبث بالحياة المنقوصة بشكلٍ غرائبيّ، وأحياناً أناني.
أنا الذي لهُ أخوة يتقاسمون الشتات العربيّ كسائر الشعوب المنكوبة.
أنا الذي لهُ أخٌ قاطعه بعد وصوله أوربا كي لا يسند ظلّه.
أنا الذي لهُ أخٌ يخدره بالوعود وهو يقطع حدود المنافي.
أنا الذي له أخوةٌ وأخوات في الداخل يطالبونه بالمساعدة ولا يجيب على الرسائل، لكن، سؤالهم يحرث القلب من العجز.
والبقية معطوبو حياةٍ.
أنا جانٍ ومجني عليه.
أنا الذي ما زال يُطرد من المؤجرين للجدران التي يسترُ بها فضيحة الوجود.
أنا الذي يطالبه الجميعُ، ولا يطلب سوى رغيف حياةٍ واحد.
أنا صديقٌ افتراضي لِكُتابٍ وشعراء ظانين أني منهم، ولا يدرون عن جهلي.
أنا الذي سرقَ القلم ليكتُب عن خطيئة حضارة الفولاذ.
أنا الذي كان كلما ضربته وآلمته عصا الحياة هرب للظلِّ، ومن ذات الظل تجنّى على الأدب وكتب ما يُسمى “رواية” بأسبوعين فقط!
أنا الذي لا يعرفُ عن الأدب إلا قلته.
أنا الذي سقط ماء الحياء كلّه من وجهه لِكَثرة ما استجدى.
أنا الذي لم يعرف المواجهة، وكان الرد عنده هو عدم الرد.
أنا الذي يعرف الجميع ولا صديق له.
أنا الذي يعي كل المشهد ولا يتدخل بصيرورته.
أنا المنبوذ، أنا الذي يسمونه “الأهبل، المعقد” ويستغلونه!
أنا الذي يتسول الحبّ؛ فيُشتم ويُركل.
أنا الذي يخشى أن يطلُب عناق يتيم!
أنا الذي لم يعرف الجامعة ولا الأكاديمية.
أنا الذي يُخفي كتابه بكيسٍ بلاستيكيّ أسود حتى لا يُجلد بألسنة من حوله، إذ يلصقون الكتاب بحامل الشهادة الجامعية وأنا لستُ بحاملها!
أنا الذي يتأبط كتابه ويدفع جثته للشارع ليقرأ تحت عامود نور.
أنا الذي تختلط العبارات داخل رأسه الأجوف ولم يعد يميّز عباراته من عبارات غيره!
أنا الذي قال عنه “بيكيت”: “أنا هكذا، إما أن أنسى كل شيء أو أتذكر كل شيء”.
أنا الذي تُرفض حروفه من المجلات والصُّحف، وكلماته من دور النشر.
أنا الذي يدخن السجائر الرديئة ويشرب القهوة المُرَّة كالموت.
أنا الذي يستعير الملابس الأنيقة في المناسبات.
أنا الذي بلا شهيّة للطعام.
أنا الذي يُحب الفرح، لكن الفرح يبصقه.
أنا الذي تحجرت شفاهه ولم يعد يعرف ما الابتسامة، وهذا ما أسعفه ليخفي أسنانه المنخورة التي تصلح تمائم لعجائزنا المُنتظرة.
أنا الذي يحادث الجدار والحجر والأشجار والعصافير وكل ما هو غير بشري.
أنا صديق الشوارع الخالية وحاويات النفايات.
أنا الذي يطلب السَّلام من الجرذان والفئران والصراصير والكلاب.
أنا الذي جسد صوته الأبكم يصرخ.
أنا الذي كان مادة سريعة التشكل بين يدَيْ عناصر الجلاد في عامي (2006، 2011).
أنا الذي حفظ عن ظهر قلب انتهاك طرقات الأفرع الأمنيّة ( أمن الدولة، الأمن السياسي، الأمن العسكري) لتوقيع الإقامة الجبرية، وجنايتي الكبرى أنّي أبحث عن إنسانيتي في شرقٍ، ألوانُ قوس قزح فيه تنزح!
أنا الذي نبذه في السجن “الإسلاميون، واليساريون”!
أنا الذي يحلم بطاولة، وسرير، وعملٍ كريم.
أنا الذي سقف أحلامه حريّة شخصيّة.
أنا الذي أضْطَرُّ للكذب حتى لا يؤذي من آذاه.
أنا الذي ظلّ يحلم حتى جفت مغاور الحلم داخله.
أنا الذي بحث عن الله في كُلِّ شيء فاتُّهم بالزندقة!
أنا الذي يتأمل البؤس الروحي من وجوه العاطلين عن الحياة.
أنا الذي يخشى كائن الطين.
أنا الذي عيناه، أمعاؤه، ظهره، ركبتاه، أسنانه، تحتاج للعلاج والعلاج مُحال.
أنا المشوه بكلّه.
أنا المعتكف في محراب الألم الأزليّ.
أنا الذي تُساق روحه إلى المقصلة كل يوم.
أنا الغريب عن ذاته وعالمه.
أنا الذي كتبَ ما كتب ولا يدري ما جنس هذا!
أنا الذي ينقل هذه الكلمات الملتوية والمشوهة كأفعى مقطعة من الورقة لهاتفه القديم بمشقة ليزيد من التعرية.
أنا كل أحد!
أنا لا أحد!
أنا!
ماهذا البؤس؟؟
كمية السلبيه هنا لاتتطاق ولايمكن تحملها .. ما اعتدنا هذا في كتاباتك الرائعه
لم نحمل النفس فوق طاقتها؟.. انت كاتب رائع حقا.
لا اعلم ان كنت هنا تتحدث عن نفسك حقا او هي مجرد كتابه لكن الشهادة ليست مقياس . نظرة الناس لنا ليست مقياس وملابسنا الباهضه الثمن او الرخيصه ليست مقياس .. نحن نتعامل مع عقول وقلوب
نتمنى عليك شيء من التفاؤل في كتاباتك القادمة لأن البشر يتأثرون بما يقرأون .. كنت احمل من الهموم ما الله به عليم فقرأت هنا ماقرأت ولم استطع ان اكمل
فـرفقا بنا
طمعا بسعة صدركم اتمنى تقبل تعليقي هذا.
مدونة براح هي للإنسان، تكتب له وعنه، وكما أن الكوميديا جزء من حياتنا، فالتراجيديا جزء أصيل أيضاً.
أما إذا كان المكتوب تجربة شخصية أم فَيض لقلم كاتب، نترك هذا لمخيلة القارئ.